تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٨٦
* (قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط) * أي: إنا رسل الله، أرسلنا الله إلى إهلاك قوم لوط. * (وامرأته) * أي: وامرأة إبراهيم * (قائمة) * تخدم أضيافه * (فضحكت) * حين سمعت بحالهم، وما أرسلوا به، تعجبا. * (فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب) * فتعجبت من ذلك و * (قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا) * فهذان مانعان من وجود الولد * (إن هذا لشيء عجيب) *. * (قالوا أتعجبين من أمر الله) * فإن أمره لا عجب فيه، لنفوذ مشيئته التامة في كل شيء، فلا يستغرب على قدرته شيء، وخصوصا فيما يدبره ويمضيه، لأهل هذا البيت المبارك. * (رحمة الله وبركاته) * أي: لا تزال رحمته، وإحسانه، وبركاته، وهي: الزيادة من خيره وإحسانه، وحلول الخير الإلهي * (عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) *، أي: حميد الصفات، لأن صفاته، صفات كمال، حميد الأفعال، لأن أفعاله، إحسان، وجود، وبر، وحكمة، وعدل، وقسط. مجيد، والمجد: هو عظمة الصفات وسعتها، فله صفات الكمال، وله من كل صفة كمال، أكملها، وأتمها، وأعمها. * (فلما ذهب عن إبراهيم الروع) * الذي أصابه من خيفة أضيافه * (وجاءته البشرى) * بالولد، التفت حينئذ، إلى مجادلة الرسل في إهلاك قوم لوط، وقال لهم: * (إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها، لننجينه وأهله إلا امرأته) *. * (إن إبراهيم لحليم) * أي: ذو خلق وسعة صدر، وعدم غضب، عند جهل الجاهلين. * (أواه) * أي: متضرع إلى الله في جميع الأوقات، * (منيب) * أي: رجاع إلى الله، بمعرفته ومحبته، والإقبال عليه، والإعراض عمن سواه، فلذلك كان يجادل عن من حتم الله بهلاكهم. فقيل له: * (يا إبراهيم أعرض عن هذا) * الجدال * (إنه قد جاء أمر ربك) * بهلاكهم * (وإنهم آتيهم عذاب غير مردود) * فلا فائدة في جدالك. * (ولما جاءت رسلنا) * أي: الملائكة الذين صدروا من إبراهيم لما أتوا * (لوطا سئ بهم) * أي: شق عليه مجيئهم، * (وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب) * أي: شديد حرج. لأنه علم أن قومه لا يتركونهم، لأنهم في صور شباب، جرد، مرد، في غاية الكمال والجمال، ولهذا وقع ما خطر بباله. * (وجاءه قومه يهرعون إليه) * أي: يسرعون ويبادرون، يريدون أضيافه بالفاحشة، التي ما سبقهم إليها أحد من العالمين. * (قال يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم) * من أضيافي، وهذا كما عرض سليمان صلى الله عليه وسلم على المرأتين أن يشق الولد المختصم فيه، لاستخراج الحق، ولعلمه أن بناته ممتنع منالهن، ولا حق لهم فيهن، والمقصود الأعظم، دفع هذه الفاحشة الكبرى. * (فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي) * أي: إما أن تراعوا تقوى الله، وإما أن تراعوني في ضيفي، ولا تخزوني عندهم. * (أليس منكم رجل رشيد) * فينهاكم، ويزجركم، وهذا دليل على مروجهم وانحلالهم، من الخير والمروءة. * (قالوا) * له: * (لقد علمت ما لنا في بناتك من حق، وإنك لتعلم ما نريد) * أي: لا نريد إلا الرجال، ولا لنا رغبة في النساء. فاشتد قلق لوط عليه الصلاة والسلام، و * (قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد) * كقبيلة مانعة لمنعتكم. وهذا بحسب الأسباب المحسوسة، وإلا فإنه يأوي إلى أقوى الأركان وهو الله، الذي لا يقوم لقوته أحد، ولهذا لما بلغ الأمر منتهاه، واشتد الكرب. * (قالوا) * له: * (يا لوط إنا رسل ربك) * أي: أخبروه بحالهم، ليطمئن قلبه، * (لن يصلوا إليك) * بسوء. ثم قال جبريل بجناحه، فطمس أعينهم، فانطلقوا يتوعدون لوطا بمجيء الصبح، وأمر الملائكة لوطا، أن يسري بأهله * (بقطع من الليل) * أي: بجانب منه قبل الفجر بكثير، ليتمكنوا من البعد عن قريتهم. * (ولا يلتفت منكم أحد) * أي: بادروا بالخروج، وليكن همكم النجاة، ولا تلتفتوا إلى ما وراءكم. * (إلا امرأتك إنه مصيبها) * من العذاب * (ما أصابهم) * لأنها تشارك قومها في الإثم، فتدلهم على أضياف لوط، إذا نزل به أضياف. * (إن موعدهم الصبح) * فكأن لوطا استعجل ذلك، فقيل له: * (أليس الصبح بقريب) *. * (فلما جاء أمرنا) * بنزول العذاب، وإحلاله فيهم * (جعلنا) * ديارهم * (عاليها سافلها) * أي: قلبناها عليهم * (وأمطرنا عليها حجارة من سجيل) * أي: من حجارة النار الشديدة الحرارة * (منضود) * أي متتابعة، تتبع من شذ عن القرية. * (مسومة عند ربك) * أي: معلمة، عليها علامة العذاب والغضب، * (وما هي من الظالمين) * الذين يشابهون لفعل
(٣٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 381 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 ... » »»