تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٨٩
تقولون ما لا تفعلون) *. ومنها: أن وظيفة الرسل، وسنتهم، وملتهم، إرادة الإصلاح بحسب القدرة والإمكان بتحصيل المصالح وتكميلها، أو بتحصيل ما يقدر عليه منها، وبدفع المفاسد وتقليلها، ويراعون المصالح الخاصة. وحقيقة المصلحة، هي التي تصلح بها أحوال العباد، وتستقيم بها أمورهم الدينية والدنيوية. ومنها: أن من قام بما يقدر عليه من الإصلاح، لم يكن ملوما ولا مذموما في عدم فعله، ما لا يقدر عليه، فعلى العبد أن يقيم من الإصلاح في نفسه، وفي غيره، ما يقدر عليه. ومنها: أن العبد، ينبغي له أن لا يتكل على نفسه طرفة عين، بل لا يزال مستعينا بربه، متوكلا عليه، سائلا له التوفيق، وإذا حصل له شيء من التوفيق، فلينسبه لموليه ومسديه، ولا يعجب بنفسه لقوله: * (وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب) *. ومنها: الترهيب بأخذات الأمم، وما جرى عليهم، وأنه ينبغي أن تذكر القصص التي فيها إيقاع العقوبات بالمجرمين في سياق الوعظ والزجر. كما أنه ينبغي ذكر ما أكرم الله به أهل التقوى عند الترغيب والحث على التقوى. ومنها: أن التائب من الذنب كما يسمح له عن ذنبه، ويعفى عنه، فإن الله تعالى يحبه ويوده. ولا عبرة بقول من يقول: (إن التائب إذا تاب، فحسبه أن يغفر له، ويعود عليه بالعفو، وأما عود الود والحب فإنه لا يعود). فإن الله قال: * (واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود) *. ومنها: أن الله يدفع عن المؤمنين بأسباب كثيرة ، قد يعلمون بعضها، وقد لا يعلمون شيئا منها. وربما دفع عنهم بسبب قبيلتهم، وأهل وطنهم الكفار، كما دفع الله عن شعيب، رجم قومه، بسبب رهطه. وأن هذه الروابط التي يحصل بها الدفع عن الإسلام والمسلمين، لا بأس بالسعي فيها، بل ربما تعين ذلك، لأن الإصلاح مطلوب، على حسب القدرة والإمكان. فعلى هذا، لو سعى المسلمون الذين تحت ولاية الكفار، وعملوا على جعل الولاية جمهورية، يتمكن فيها الأفراد والشعوب من حقوقهم الدينية والدنيوية، لكان أولى من استسلامهم لدولة تقضي على حقوقهم الدينية والدنيوية، وتحرص على إبادتها، وجعلهم عملة وخدما لهم. نعم إن أمكن أن تكون الدولة للمسلمين، وهم الحكام، فهو المتعين. ولكن لعدم إمكان هذه المرتبة، فالمرتبة التي فيها دفع ووقاية للدين والدنيا، مقدمة، والله أعلم. * (ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين * إلى فرعون وملئه فاتبعوا أمر فرعون ومآ أمر فرعون برشيد * يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود * وأتبعوا في ه ذه لعنة ويوم القيامة بئس الرفد المرفود * ذلك من أنبآء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد * وما ظلمناهم ول كن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب) * يقول تعالى: * (ولقد أرسلنا موسى) * بن عمران * (بآياتنا) * الدالة على صدق ما جاء به، كالعصا، واليد ونحوهما من الآيات التي أجراها الله على يدي موسى عليه السلام. * (وسلطان مبين) * أي: حجة ظاهرة بينة، ظهرت ظهور الشمس، * (إلى فرعون وملإه) * أي: أشراف قومه لأنهم المتبوعون وغيرهم تبع لهم، فلم ينقادوا لما مع موسى من الآيات التي أراهم إياها كما تقدم بسطها في سورة الأعراف. * (فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد) * بل هو ضال غاو، لا يأمر إلا بما هو ضرر محض. لا جرم لما اتبعه قومه أرداهم وأهلكهم. * (يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود * وأتبعوا في هذه) * أي: في الدنيا * (لعنة ويوم القيامة) * أي: يلعنهم الله وملائكته، والناس أجمعون في الدنيا والآخرة. * (بئس الرفد المرفود) * أي: بئس ما اجتمع لهم، وترادف عليهم من عذاب الله، ولعنة الدنيا والآخرة. ولما ذكر قصص هؤلاء الأمم مع رسلهم، قال الله تعالى لرسوله: * (ذلك من أنباء القرى نقصه عليك) * لتنذر به، ويكون آية على رسالتك، وموعظة وذكرى للمؤمنين. * (منها قائم) * لم يتلف، بل بقي آثار ديارهم، ما يدل عليهم، * (و) * (منها) * (حصيد) * قد تهدمت مساكنهم، واضمحلت منازلهم، فلم يبق لها أثر، * (وما ظلمناهم) * بأخذهم بأنواع العقوبات * (ولكن ظلموا أنفسهم) * بالشرك والكفر، والعناد. * (فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شيء لما جاء أمر ربك) * وهكذا كل من التجأ إلى غير الله، لم ينفعه ذلك عند نزول الشدائد. * (وما زادوهم غير تتبيب) * أي: خسار ودمار، بالضد مما خطر ببالهم. * (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن أخذه أليم شديد) * أي: يقصمهم بالعذاب ويبيدهم، ولا ينفعهم ما كانوا يدعون من دون الله من شيء. * (إن في ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود * وما نؤخره إلا لأجل معدود * يوم يأت لا تكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقي وسعيد * فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق * خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد * وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ) * * (إن في ذلك) * المذكور من أخذه
(٣٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 384 385 386 387 388 389 390 391 392 393 394 ... » »»