تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٨٢
وكذبي، * (وأنا بريء مما تجرمون) * أي: فلم تستجدون في تكذيبي. وقوله: * (وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن) * أي: قد قسوا، * (فلا تبتئس بما كانوا يفعلون) * أي: فلا تحزن، ولا تبال بهم، وبأفعالهم، فإن الله قد مقتهم، وأحق عليهم عذابه الذي لا يرد. * (واصنع الفلك بأعيننا ووحينا) * أي: بحفظنا، ومرأى منا، وعلى مرضاتنا، * (ولا تخاطبني في الذين ظلموا) * أي: لا تراجعني في إهلاكهم، * (إنهم مغرقون) * أي: قد حق القول، ونفذ فيهم القدر. فامتثل أمر ربه، وجعل يصنع الفلك * (وكلما مر عليه ملأ من قومه) * ورأوا ما يصنع * (سخروا منه قال إن تسخروا منا) * الآن * (فإنا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم) * نحن أم أنتم. وقد علموا ذلك حين حل بهم العذاب. * (حتى إذا جاء أمرنا) * أي قدرنا بوقت نزول العذاب بهم * (وفار التنور) * أي: أنزل الله السماء بالماء المنهمر، وفجر الأرض كلها عيونا حتى التنانير التي هي محل النار في العادة، وأبعد ما يكون عن الماء، تفجرت فالتقى الماء على أمر قد قدر. و * (قلنا) * لنوح: * (احمل فيها من كل زوجين اثنين) * أي: من كل صنف من أصناف المخلوقات، ذكر وأنثى، لتبقى مادة سائر الأجناس، وأما بقية الأصناف الزائدة عن الزوجين، فإن السفينة لا تطيق حملها * (وأهلك إلا من سبق عليه القول) * ممن كان كافرا، كابنه الذي غرق. * (ومن آمن و) * الحال أنه * (ما آمن معه إلا قليل) *. * (وقال) * نوح لمن أمره الله أن يحملهم: * (اركبوا فيها بسم الله مجراها ومرساها) * أي: تجري على اسم الله، وترسي بتسخيره وأمره. * (إن ربي لغفور رحيم) * حيث غفر لنا، ورحمنا، ونجانا من القوم الظالمين. ثم وصف جريانها كأنا نشاهدها فقال: * (وهي تجري بهم) * أي: بنوح، ومن ركب معه * (في موج كالجبال) * والله حافظها وحافظ أهلها * (ونادى نوح ابنه) * لما ركب، ليركب معه * (وكان) * ابنه * (في معزل) * عنهم، حين ركبوا، أي: مبتعدا وأراد منه، أن يقرب ليركب، فقال له: * (يا بني اركب معنا ولا تكن مع الكافرين) * فيصيبك ما يصيبهم. و * (قال) * ابنه، مكذبا لأبيه، أنه لا ينجو إلا من ركب السفينة. * (سآوي إلى جبل يعصمني من الماء) * أي: سأرتقي جبلا، أمتنع به من الماء، * (قال) * نوح: * (لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم) * فلا يعصم أحدا، جبل ولا غيره، ولو تسبب بغاية ما يمكنه من الأسباب، لما نجا إن لم ينجه الله. * (وحال بينهما الموج فكان) * الابن * (من المغرقين) *. * (و) * لما أغرقهم الله، ونجى نوحا ومن معه * (قيل يا أرض ابلعي ماءك) * الذي خرج منك، والذي نزل إليك، ابلعي الماء، الذي على وجهك * (ويا سماء أقلعي) * فامتثلتا لأمر الله، فابتلعت الأرض ماءها، وأقلعت السماء، * (وغيض الماء) * أي: نضب من الأرض، * (وقضي الأمر) * بهلاك المكذبين ونجاة المؤمنين. * (واستوت) * السفينة * (على الجودي) * أي: أرست على ذلك الجبل المعروف في أرض الموصل. * (وقيل بعدا للقوم الظالمين) * أي: أتبعوا بهلاكهم لعنة وبعدا، وسحقا، لا يزال معهم. * (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق) *. وقد قلت لي: * (فاحمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك) * ولن تخلف ما وعدتني به. لعله عليه الصلاة والسلام، لما حملته الشفقة، وأن الله وعده بنجاة أهله، ظن أن الوعد لعمومهم، من آمن، ومن لم يؤمن، فلذلك دعا ربه بذلك الدعاء. ومع هذا، ففوض الأمر لحكمة الله البالغة، حيث قال: * (وأنت أحكم الحاكمين) *. * (قال) * الله له: * (إنه ليس من أهلك) * الذين وعدتك بإنجائهم * (إنه عمل غير صالح) * أي: هذا الدعاء الذي دعوت به، لنجاة كافر لا يؤمن بالله ولا رسوله. * (فلا تسألن ما ليس لك به علم) * أي: ما لا تعلم عاقبته، ومآله، وهل يكون خير، أو غير خير. * (إني أعظك أن تكون من الجاهلين) * أي: أني أعظك وعظا، تكون به من الكاملين، وتنجو به من صفات الجاهلين. فحينئذ ندم نوح عليه السلام ندامة شديدة على ما صدر منه و * (قال ربي إني أعوذ بك أن أسألك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين) *.
(٣٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 377 378 379 380 381 382 383 384 385 386 387 ... » »»