* (ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي) * أي: لا تحملنكم مخالفتي ومشاقتي * (أن يصيبكم) * من العقوبات * (مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد) * لا في الدار، ولا في الزمان. * (واستغفروا ربكم) * عما اقترفتم من الذنوب * (ثم توبوا إليه) * فيما يستقبل من أعماركم، بالتوبة النصوح، والإنابة إليه بطاعته، وترك مخالفته. * (إن ربي رحيم ودود) * لمن تاب وأناب، يرحمه فيغفر له، ويتقبل توبته ويحبه. ومعنى الودود من أسمائه تعالى، أنه يحب عباده المؤمنين ويحبونه، فهو (فعول) بمعنى (فاعل) ومعنى (مفعول). * (قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول) * أي: تضجروا من نصائحه ومواعظه لهم، فقالوا: * (ما نفقه كثيرا مما تقول) * وذلك لبغضهم لما يقول، ونفرتهم عنه. * (وإنا لنراك فينا ضعيفا) * أي: في نفسك لست من الكبار والرؤساء بل من المستضعفين، * (ولولا رهطك) * أي: جماعتك وقبيلتك * (لرجمناك وما أنت علينا بعزيز) * أي: ليس لك قدر في صدورنا، ولا احترام في أنفسنا، وإنما احترمنا قبيلتك بتركنا إياك. * (قال) * لهم مترققا لهم: * (يا قوم أرهطي أعز عليكم من الله) *، أي: كيف تراعونني لأجل رهطي، ولا تراعونني لله، فصار رهطي أعز عليكم من الله. * (واتخذتموه وراءكم ظهريا) * أي: نبذتم أمر الله وراء ظهوركم، ولم تبالوا به، ولا خفتم منه. * (إن ربي بما تعملون محيط) * لا يخفى عليه من أعمالكم مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، فسيجازيكم على ما عملتم أتم الجزاء. * (و) * لما أعيوه وعجز عنهم قال: * (يا قوم اعملوا على مكانتكم) * أي: على حالتكم ودينكم. * (إني عامل، سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه) * ويحل عليه عذاب مقيم * (ومن هو كاذب) * أنا أم أنتم، وقد علموا بذلك حين وقع عليهم العذاب. * (وارتقبوا) * ما يحل بي * (إني معكم رقيب) * ما يحل بكم. * (ولما جاء أمرنا) * بإهلاك قوم شعيب * (نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين) * لا تسمع لهم صوتا، ولا ترى منهم حركة * (كأن لم يغنوا فيها) * أي: كأنهم ما أقاموا في ديارهم، ولا تنعموا فيها حين أتاهم العذاب. * (ألا بعدا لمدين) * إذ أهلكها الله وأخزاها * (كما بعدت ثمود) * أي: قد اشتركت هاتان القبيلتان في السحق، والبعد، والهلاك. وشعيب عليه السلام كان يسمى خطيب الأنبياء، لحسن مراجعته لقومه، وفي قصته من الفوائد والعبر شيء كثير. منها: أن الكفار كما يعاقبون ويخاطبون بأصل الإسلام، فكذلك بشرائعه وفروعه، لأن شعيبا دعا قومه إلى التوحيد، وإلى إيفاء المكيال والميزان، وجعل الوعيد مرتبا على مجموع ذلك. ومنها: أن نقص المكاييل والموازين، من كبائر الذنوب، وتخشى العقوبة العاجلة على من تعاطى ذلك، وأن ذلك من سرقة أموال الناس، وإذا كانت سرقتهم في المكاييل والموازين، موجبة للوعيد، فسرقتهم على وجه القهر والغلبة من باب أولى وأحرى. ومنها: أن الجزاء عن جنس العمل، فمن بخس أموال الناس، يريد زيادة ماله، عوقب بنقيض ذلك، وكان سببا لزوال الخير الذي عنده من الرزق لقوله: * (إني أراكم بخير) * أي: فلا تتسببوا إلى زواله بفعلكم. ومنها: أن على العبد أن يقنع بما آتاه الله ويقنع بالحلال عن الحرام وبالمكاسب المباحة عن المكاسب المحرمة، وأن ذلك خير له لقوله: * (بقية الله خير لكم) *، ففي ذلك من البركة وزيادة الرزق، ما ليس في التكالب على الأسباب المحرمة من المحق، وضد البركة. ومنها: أن ذلك من لوازم الإيمان، وآثاره، فإنه رتب العمل به على وجود الإيمان، فدل على أنه إذا لم يوجد العمل، فالإيمان ناقص، أو معدوم. ومنها: أن الصلاة لم تزل مشروعة للأنبياء المتقدمين، وأنها من أفضل الأعمال، حتى إنه متقرر عند الكفار فضلها، وتقديمها على سائر الأعمال، وأنها تنهى عن الفحشاء والمنكر، وهي ميزان للإيمان وشرائعه. فبإقامتها على وجهها، تكمل أحوال العبد، وبعدم إقامتها، تختل أحواله الدينية. ومنها: أن المال الذي يرزقه الله الإنسان وإن كان الله قد خوله إياه فليس له أن يصنع فيه ما يشاء، فإنه أمانة عنده، عليه أن يقيم حق الله فيه، بأداء ما فيه من الحقوق، والامتناع من المكاسب التي حرمها الله ورسوله. لا كما يزعمه الكفار، ومن أشبههم، أن أموالهم لهم أن يصنعوا فيها ما يشاؤون ويختارون، سواء وافق حكم الله، أو خالفه. ومنها: أن من تكملة دعوة الداعي وتمامها أن يكون أول مبادر لما يأمر غيره به، وأول منته، عما ينهى غيره عنه، كما قال شعيب عليه السلام: * (وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) * ولقوله تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا لم
(٣٨٨)