تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٨٧
قوم لوط * (ببعيد) *، فليحذر العباد أن يفعلوا كفعلهم لئلا يصيبهم ما أصابهم. * (وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يقوم اعبدوا الله ما لكم من إل ه غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط * ويقوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشيآءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين * بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين ومآ أنا عليكم بحفيظ * قالوا يشعيب أصلواتك تأمرك أن نترك ما يعبد ءاباؤنآ أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لأنت الحليم الرشيد * قال يقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا ومآ أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب * ويقوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد * واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود * قالوا يشعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك ومآ أنت علينا بعزيز * قال يقوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه ورآءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط * ويقوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب * ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين * كأن لم يغنوا فيهآ ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود) * أي: * (و) * أرسلنا * (إلى مدين) * القبيلة المعروفة الذين يسكنون مدين، في أدنى فلسطين، * (أخاهم) * في النسب * (شعيبا) * لأنهم يعرفونه، ويتمكنون من الأخذ عنه. * (قال) * لهم: * (يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره) * أي: أخلصوا له العبادة، فإنهم كانوا يشركون. وكانوا مع شركهم يبخسون المكيال والميزان، ولهذا نهاهم عن ذلك فقال: * (ولا تنقصوا المكيال والميزان) * بل أوفوا الكيل والميزان بالقسط. * (إني أراكم بخير) * أي: بنعمة كثيرة، وصحة، وكثرة أموال وبنين، فاشكروا الله على ما أعطاكم، ولا تكفروا بنعمة الله، فيزيلها عنكم. * (وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط) * أي: عذابا يحيط بكم، ولا يبقى منكم باقية. * (ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط) * أي: بالعدل الذي ترضون أن تعطوه، * (ولا تبخسوا الناس أشياءهم) * أي: لا تنقصوا من أشياء الناس، فتسرقوها بأخذها، بنقص المكيال والميزان. * (ولا تعثوا في الأرض مفسدين) * فإن الاستمرار على المعاصي، يفسد الأديان، والعقائد، والدين، والدنيا، ويهلك الحرث والنسل. * (بقية الله خير لكم) * أي: يكفيكم ما أبقى الله لكم من الخير، وما هو لكم، فلا تطمعوا في أمر لكم عنه غنية، وهو ضار لكم جدا. * (إن كنتم مؤمنين) * فاعملوا بمقتضى الإيمان، * (وما أنا عليكم بحفيظ) * أي: لست بحافظ لأعمالكم، ووكيل عليها، وإنما الذي يحفظها الله تعالى، وأما أنا فأبلغكم ما أرسلت به. * (قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا) * أي: قالوا ذلك على وجه التهكم بنبيهم، والاستبعاد لإجابتهم له. ومعنى كلامهم: أنه لا موجب لنهيك لنا، إلا أنك تصلي لله، وتتعبد له، فإن كنت كذلك، أفيوجب لنا أن نترك ما يعبد آباؤنا، لقول ليس عليه دليل، إلا أنه موافق لك، فكيف نتبعك، ونترك آباءنا الأقدمين، أولي العقول والألباب؟ وكذلك لا يوجب قولك لنا: * (أن نفعل في أموالنا) * ما قلت لنا، من وفاء الكيل، والميزان، وأداء الحقوق الواجبة فيها، بل لا نزال نفعل فيها ما شئنا، لأنها أموالنا، فليس لك فيها تصرف. ولهذا قالوا في تهكمهم: * (إنك لأنت الحليم الرشيد) * أي: إنك أنت الذي، الحلم والوقار لك خلق، والرشد لك سجية، فلا يصدر عنك إلا رشد، ولا تأمر إلا برشد، ولا تنهى إلا عن غي، أي: ليس الأمر كذلك. وقصدهم، أنه موصوف بعكس هذين الوصفين: بالسفه والغواية. أي: أن المعنى: كيف تكون أنت الحليم الرشيد، وآباؤنا هم السفهاء الغاوين؟ وهذا القول الذي أخرجوه بصيغة التهكم، وأن الأمر بعكسه، ليس كما ظنوه، بل الأمر كما قالوه. إن صلاته تأمره أن ينهاهم، عما كان يعبد آباؤهم الضالون، وأن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون، فإن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأي فحشاء ومنكر، أكبر من عبادة غير الله، ومن منع حقوق عباد الله، أو سرقتها، بالمكاييل، والموازين، وهو عليه الصلاة والسلام الحليم الرشيد. * (قال) * لهم شعيب: * (يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي) * أي: يقين وطمأنينة في صحة ما جئت به، * (ورزقني منه رزقا حسنا) * أي: أعطاني الله من أصناف المال ما أعطاني. * (و) * أنا * (ما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه) * فلست أريد أن أنهاكم عن البخس في المكيال، والميزان، وأفعله أنا، حتى تتطرق إلي التهمة في ذلك. بل ما أنهاكم عن أمر، إلا وأنا أول مبتدر لتركه. * (إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت) * أي: ليس لي من المقاصد إلا أن تصلح أحوالكم، وتستقيم منافعكم، وليس لي من المقاصد الخاصة لي وحدي، شيء بحسب استطاعتي. ولما كان هذا فيه نوع تزكية للنفس، دفع هذا بقوله: * (وما توفيقي إلا بالله) * أي: ما يحصل لي من التوفيق لفعل الخير والانفكاك عن الشر إلا بالله تعالى، لا بحولي ولا بقوتي. * (عليه توكلت) * أي: اعتمدت في أموري، ووثقت في كفايته، * (وإليه أنيب) * في أداء ما أمرني به من أنواع العبادات، وفي هذا التقرب إليه بسائر أفعال الخيرات. وبهذين الأمرين تستقيم أحوال العبد، وهما الاستعانة بربه، والإنابة إليه، كما قال تعالى: * (فاعبده وتوكل عليه) * وقال: * (إياك نعبد وإياك نستعين) *.
(٣٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 382 383 384 385 386 387 388 389 390 391 392 ... » »»