تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٧٢
الإيمان بالله. * (فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين) * أي: اعتمدوا عليه، والجأوا إليه واستنصروه. * (فقالوا) * ممتثلين لذلك * (على الله توكلنا ربنا لا تجعلنا فتنة للقوم الظالمين) * أي: تسلطهم علينا، فيفتنونا، أو يغلبونا، فيفتنونا بذلك، ويقولون: لو كانوا على حق لما غلبوا. * (ونجنا برحمتك من القوم الكافرين) * لنسلم من شرهم، ولنقيم على ديننا على وجه نتمكن به من إقامة شرائعه، وإظهاره من غير معارض، ولا منازع. * (وأوحينا إلى موسى وأخيه) * حين اشتد الأمر على قومهما من فرعون وقومه، وحرصوا على فتنتهم عن دينهم. * (أن تبوآ لقومكما بمصر بيوتا) * أي: مروهم أن يجعلوا لهم بيوتا، يتمكنون بها من الاستخفاء فيها. * (واجعلوا بيوتكم قبلة) * أي: اجعلوها محلا، تصلون فيها، حيث عجزتم عن إقامة الصلاة في الكنائس، والبيع العامة. * (وأقيموا الصلاة) * فإنها معونة على جميع الأمور، * (وبشر المؤمنين) * بالنصر والتأييد، وإظهار دينهم، فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا، وإذا اشتد الكرب، وضاق الأمر، فرجه الله، ووسعه، فلما رأى موسى القسوة والإعراض من فرعون وملإه، دعا عليهم، وأمن هارون على دعائه، فقال: * (ربنا إنك آتيت فرعون وملأه زينة) * يتزينون بها من أنواع الحلي والثياب، والبيوت المزخرفة، والمراكب الفاخرة، والخدام، * (وأموالا) * عظيمة * (في الحياة الدنيا ربنا ليضلوا عن سبيلك) * أي: إن أموالهم يستعينون بها على الإضلال في سبيلك، فيضلون ويضلون. * (ربنا اطمس على أموالهم) * أي: أتلفها عليهم: إما بالهلاك، وإما بجعلها حجارة، غر منتفع بها. * (واشدد على قلوبهم) * أي: قسها * (فلا يؤمنوا حتى يروا العذاب الأليم) *. قال ذلك، غضبا عليهم، حيث تجرأوا على محارم الله، وأفسدوا عباد الله، وصدوا عن سبيله، ولكمال معرفته بربه، بأن الله سيعاقبهم على ما فعلوا، بإغلاق باب الإيمان عليهم. * (قال) * الله تعالى: * (قد أجيبت دعوتكما) *، وهذا دليل على أن موسى كان يدعو، وهارون يؤمن على دعائه، وأن الذي يؤمن يكون شريكا للداعي في ذلك الدعاء. * (فاستقيما) * على دينكما، واستمرا على دعوتكما، * (ولا تتبعان سبيل الذين لا يعلمون) * أي: لا تتبعان سبيل الجهال الضلال، المنحرفين عن الصراط المستقيم، المتبعين لطرق الجحيم. فأمر الله موسى أن يسري ببني إسرائيل ليلا، وأخبره أنهم سيتبعونه، وأرسل فرعون في المدائن حاشرين. يقولون: * (إن هؤلاء) * أي: موسى وقومه: * (لشرذمة قليلون وإنهم لنا لغائظون وإنا لجميع حاذرون) *. فجمع جنوده، قاصيهم ودانيهم، فأتبعهم بجنوده، بغيا وعدوا أي: أخرجهم باغين على موسى وقومه، ومعتدين في الأرض، وإذا اشتد البغي، واستحكم الذنب، فانتظر العقوبة. * (وجاوزنا ببني إسرائيل البحر) * وذلك أن الله أوحى إلى موسى، لما وصل البحر، أن يضربه بعصاه، فضربه، فانفلق اثني عشر طريقا، وسلكه بنو إسرائيل. وساق فرعون وجنوده خلفه داخلين. فلما استكمل موسى وقومه خارجين من البحر، وفرعون وجنوده داخلين فيه، أمر الله البحر، فالتطم على فرعون وجنوده، فأغرقهم، وبنو إسرائيل ينظرون. حتى إذا أدرك فرعون الغرق، وجزم بهلاكه * (قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل) * وهو الله الإله الحق الذي لا إله إلا هو * (وأنا من المسلمين) * أي: المنقادين لدين الله، ولما جاء به موسى. قال الله تعالى مبينا أن هذا الإيمان في هذه الحالة غير نافع له: * (الأن) * تؤمن، وتقر برسول الله * (وقد عصيت قبل) * أي: بارزت بالمعاصي، والكفر والتكذيب * (وكنت من المفسدين) * فلا ينفعك الإيمان كما جرت عادة الله، أن الكفار إذا وصلوا إلى هذه الحالة الاضطرارية، أنه لا ينفعهم إيمانهم، لأن إيمانهم صار إيمانا مشاهدا كإيمان من ورد القيامة، والذي ينفع، إنما هو الإيمان بالغيب. * (فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية) *. قال المفسرون: إن بني إسرائيل لما في قلوبهم من الرعب العظيم من فرعون، كأنهم لم يصدقوا بإغراقه، وشكوا في ذلك. فأمر الله البحر أن يلقيه على نجوة مرتفعة ببدنه، ليكون لهم عبرة وآية. * (وإن كثيرا من الناس عن آياتنا
(٣٧٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 367 368 369 370 371 372 373 374 375 376 377 ... » »»