تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٩٤
إخوتك فيكيدوا لك كيدا) * أي: حسدا من عند أنفسهم، بأن تكون أنت الرئيس الشريف عليهم. * (إن الشيطان للإنسان عدو مبين) * لا يفتر عنه، ليلا ولا نهارا، ولا سرا، ولا جهارا، فالبعد عن الأسباب، التي يتسلط بها على العبد، أولى، فامتثل يوسف أمر أبيه، ولم يخبر إخوته بذلك، بل كتمها عنهم. * (لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين * إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين * اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم وتكونوا من بعده قوما صالحين) * يقول تعالى: * (لقد كان في يوسف وإخوته آيات) * أي: عبر وأدلة، على كثير من المطالب الحسنة. * (للسائلين) * أي: لكل من سأل عنها، بلسان الحال، أو بلسان المقال. فإن السائلين، هم الذين ينتفعون بالآيات والعبر، وأما المعرضون، فلا ينتفعون بالآيات، ولا بالقصص، والبينات. * (إذ قالوا) * فيما بينهم: * (ليوسف وأخوه) * بنيامين، أي: شقيقه، وإلا، فكلهم إخوة، * (أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة) * أي: جماعة، فكيف يفضلهما بالمحبة والشفقة، * (إن أبانا لفي ضلال مبين) * أي: لفي خطأ بين، حيث فضلهما علينا، من غير موجب نراه، ولا أمر نشاهده. * (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا) * أي: غيبوه عن أبيه، في أرض بعيدة، لا يتمكن من رؤيته فيها. فإنكم إذا فعلتم أحد هذين الأمرين * (يخل لكم وجه أبيكم) *، أي: يتفرغ لكم، ويقبل عليكم بالشفقة والمحبة، فإنه قد اشتغل قلبه بيوسف، شغلا، لا يتفرغ لكم، * (وتكونوا من بعده) * أي: من بعد هذا الصنيع * (قوما صالحين) * أي: تتوبون إلى الله، وتستغفرونه من بعد ذنبكم. فقدموا العزم على التوبة، قبل صدور الذنب منهم تسهيلا لفعله، وإزالة لشناعته، وتنشيطا من بعضهم لبعض. * (قال قآئل منهم لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجب يلتقطه بعض السيارة إن كنتم فاعلين) * أي: * (قال قائل) * من إخوة يوسف، الذين أرادوا قتله، أو تبعيده: * (لا تقتلوا يوسف) * فإن قتله أعظم إثما، وأشنع، والمقصود يحصل بتبعيده عن أبيه، من غير قتل، ولكن توصلوا إلى تبعيده بأن تلقوه * (في غيابة الجب) * وتتوعدوه، على أنه لا يخبر بشأنكم، بل على أنه عبد مملوك آبق، لأجل أن * (يلتقطه بعض السيارة) * الذين يريدون مكانا بعيدا، فيحتفظوا به. وهذ القائل أحسنهم رأيا في يوسف، وأبرهم، وأتقاهم في هذه القضية. فإن بعض الشر، أهون من بعض، والضرر الخفيف، يدفع به الضرر الثقيل. فلما اتفقوا على هذا الرأي * (قالوا يا أبانا) * إلى قوله: * (إنا إذا لخاسرون) *. * (قالوا ي أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون * أرسله معنا غدا يرتع ويلعب وإنا له لحافظون * قال إني ليحزنني أن تذهبوا به وأخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون * قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة إنآ إذا لخاسرون) * أي: قال إخوة يوسف، متوصلين إلى مقصدهم لأبيهم: * (يا أبانا ما لك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون) * أي: لأي شيء يدخلك الخوف منا، على يوسف، من غير سبب، ولا موجب؟ * (و) * الحال * (إنا له لناصحون) * أي: مشفقون عليه، نود له ما نود لأنفسنا، وهذا يدل على أن يعقوب عليه السلام، لا يترك يوسف يذهب مع إخوته للبرية ونحوها. فلما نفوا عن أنفسهم التهمة المانعة، لعدم إرساله معهم، ذكروا له من مصلحة يوسف وأنسه، الذي يحبه أبوه له، ما يقتضي أن يسمح بإرساله معهم، فقالوا: * (أرسله معنا غدا يرتع ويلعب) * أي: يتنزه في البرية ويستأنس، * (وإنا له لحافظون) * أي: سنراعيه، ونحفظه من كل أذى يريده. فأجابهم بقوله: * (إني ليحزنني أن تذهبوا به) * أي: مجرد ذهابكم به، يحزنني، ويشق علي، لأنني لا أقدر على فراقه، ولو مدة يسيرة. فهذا مانع من إرساله * (و) * مانع ثان، وهو: أني * (أخاف أن يأكله الذئب وأنتم عنه غافلون) * أي: في حال غفلتكم عنه، لأنه صغير، لا يمتنع من الذئب. * (قالوا لئن أكله الذئب ونحن عصبة) * أي: جماعة، حريصون على حفظه، * (إنا إذا لخاسرون) * أي: لا خير فينا، ولا نفع يرجى منا، إن أكله الذئب، وغلبنا عليه. فلما مهدوا لأبيهم الأسباب الداعية لإرساله، وعدم الموانع، سمح حينئذ بإرساله معهم، لأجل أنسه. * (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينآ إليه لتنبئنهم بأمرهم ه ذا وهم لا يشعرون * وجآءوا أباهم عشآء يبكون * قالوا يأبانا إنا ذهبنا نستبق وتركنا يوسف عند متاعنا فأكله الذئب ومآ أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين * وجآءوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون) * أي: لما ذهب إخوة يوسف، بعد ما أذن له أبوه، وعزموا أن يجعلوه في غيابة الجب، كما قال قائلهم، السابق ذكره، وكانوا قادرين على ما أجمعوا عليه، فنفذوا فيه قدرتهم، وألقوه في
(٣٩٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 389 390 391 392 393 394 395 396 397 398 399 ... » »»