به يستهزئون) * من العذاب، حيث تهاونوا به، حتى جزموا بكذب من جاء به. * (ولئن أذقنا الإنسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور * ولئن أذقناه نعمآء بعد ضرآء مسته ليقولن ذهب السيئات عني إنه لفرح فخور * إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أول ئك لهم مغفرة وأجر كبير) * يخبر تعالى عن طبيعة الإنسان، أنه جاهل ظالم، بأن الله إذا أذاقه منه رحمة، كالصحة والرزق، والأولاد، ونحو ذلك، ثم نزعها منه، فإنه يستسلم لليأس، وينقاد للقنوط، فلا يرجو ثواب الله، ولا يخطر بباله أن الله سيردها، أو مثلها، أو خيرا منها عليه. وأنه إذا أذاقه رحمة من بعد ضراء مسته، أنه يفرح ويبطر، ويظن أنه سيدوم له ذلك الخير ويقول: * (ذهب السيئات عني، إنه لفرح فخور) * أي: يفرح بما أوتي مما يوافق هوى نفسه، فخور بنعم الله على عباد الله وذلك يحمله على الأشر والبطر والإعجاب بالنفس، والتكبر على الخلق، واحتقارهم، وازدرائهم، وأي عيب أشد من هذا؟ وهذه طبيعة الإنسان من حيث هو، إلا من وفقه الله، وأخرجه من هذا الخلق الذميم إلى ضده، وهم الذين صبروا أنفسهم عند الضراء، فلم ييأسوا، وعند السراء، فلم يبطروا، وعملوا الصالحات من واجبات ومستحبات. * (أولئك لهم مغفرة) * لذنوبهم، يزول بها عنهم كل محذور. * (وأجر كبير) * وهو: الفوز بجنات النعيم، التي فيها ما تشتهيه الأنفس، وتلذ الأعين. * (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل * أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين * فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنمآ أنزل بعلم الله وأن لا إل ه إلا هو فهل أنتم مسلمون) * يقول تعالى مسليا لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم عن تكذيب المكذبين: * (فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز) *، أي: لا ينبغي هذا لمثلك، أن قولهم يؤثر فيك، ويصدك عما أنت عليه، فتترك بعض ما يوحى إليك، ويضيق صدرك لتعنتهم بقولهم: * (لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك) *. فإن هذا القول ناشىء من تعنت، وظلم، وعناد، وضلال، وجهل بمواقع الحجج والأدلة. فامض على أمرك، ولا تصدك هذه الأقوال الركيكة التي لا تصدر إلى من سفيه ولا يضق لذلك صدرك. فهل أوردوا عليك حجة، لا تستطيع حلها؟ أم قدحوا ببعض ما جئت به قدحا، يؤثر فيه، وينقص قدره، فيضيق صدرك لذلك؟ أم عليك حسابهم، ومطالب بهدايتهم جبرا؟ و * (إنما أنت نذير والله على كل شيء وكيل) * فهو الوكيل عليهم، يحفظ أعمالهم، ويجازيهم بها أتم الجزاء. * (أم يقولون افتراه) * أي: افترى محمد هذا القرآن؟ فأجابهم بقوله: * (قل) * (لهم) * (فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) * أي: إن كان قد افتراه، فإنه لا فرق بينكم وبينه في الفصاحة والبلاغة، وأنتم الأعداء حقا، الحريصون بغاية ما يمكنكم على إبطال دعوته، فإن كنتم صادقين، فأتوا بعشر سور مثله مفتريات. * (فإن لم يستجيبوا لكم) * على شيء من ذلكم * (فاعلموا أنما أنزل بعلم الله) * من عند الله، لقيام الدليل والمقتضى، وانتفاء المعارض. * (وأن لا إله إلا هو) * أي: واعلموا * (أنه لا إله إلا هو) * أي: هو المستحق للألوهية والعبادة، * (فهل أنتم مسلمون) * أي: منقادون لألوهيته مستسلمون لعبوديته. وفي هذه الآيات، إرشاد إلى أنه لا ينبغي للداعي إلى الله، أن يصده اعتراض المعترضين، ولا قدح القادحين. خصوصا، إذا كان القدح لا مستند له، ولا يقدح فيما دعا إليه، وأنه لا يضيق صدره، بل يطمئن بذلك، ماضيا على أمره، مقبلا على شأنه. وأنه لا يجب إجابة اقتراحات المقترحين للأدلة التي يختارونها، بل يكفي إقامة الدليل، السالم عن المعارض، على جميع المسائل والمطالب. وفيها أن هذا القرآن، معجز بنفسه، لا يقدر أحد من البشر أن يأتي بمثله، ولا بعشر سور مثله، بل ولا سورة من مثله، لأن الأعداء البلغاء الفصحاء، تحداهم الله بذلك، فلم يعارضوه، لعلمهم أنهم لا قدرة فيهم على ذلك. وفيها: أن مما يطلب فيه العلم، ولا يكفي غلبة الظن، علم القرآن، وعلم التوحيد، لقوله تعالى: * (فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو) *. * (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون * أول ئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون) * يقول تعالى: * (من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها) *، أي: كل إرادته، مقصورة على الحياة الدنيا، وعلى زينتها
(٣٧٨)