سورة يوسف * (الر تلك آيات الكتاب المبين * إنآ أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون * نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينآ إليك ه ذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين) * يخبر تعالى أن آيات القرآن هي * (آيات الكتاب المبين) * أي: البين الواضحة ألفاظه، ومعانيه. ومن بيانه وإيضاحه: أنه أنزله باللسان العربي، أشرف الألسنة، وأبينها. المبين، لكل ما يحتاجه الناس، من الحقائق النافعة، وكل هذا الإيضاح والتبيين * (لعلكم تعقلون) * أي: لتعقلوا حدوده، وأصوله، وفروعه، وأوامره، ونواهيه. فإذا عقلتم ذلك بإيقانكم، واتصفت قلوبكم بمعرفتها، أثمر ذلك، عمل الجوارح، والانقياد إليه، و * (لعلكم تعقلون) * أي: تزداد عقولكم، بتكرر المعاني الشريفة العالية، على أذهانكم، فتنتقلون من حال إلى أحوال، أعلى منها وأكمل. * (نحن نقص عليك أحسن القصص) * وذلك لصدقه، وسلاسة عبارته، ورونق معانيه، * (بما أوحينا إليك هذا القرآن) * أي: بما اشتمل عليه هذا القرآن، الذي أوحيناه إليك، وفضلناك به على سائر الأنبياء، وذاك محض منة، من الله وإحسان. * (وإن كنت من قبله لمن الغافلين) * أي: ما كنت تدري، ما الكتاب، ولا الإيمان، قبل أن يوحي الله إليك، ولكن جعلناه نورا، نهدي به من نشاء، من عبادنا. ولما مدح ما اشتمل عليه هذا القرآن، من القصص، وأنه أحسن القصص على الإطلاق، فلا يوجد من القصص، في شيء من الكتب، مثل هذا القرآن، ذكر قصة يوسف، وأبيه، وإخوته، القصة العجيبة الحسنة، فقال: * (إذ قال يوسف) * إلى * (إن ربك عليم حكيم) *. * (إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين وكذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الأحاديث ويتم نعمته عليك وعلى آل يعقوب كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق إن ربك عليم حكيم) * واعلم أن الله ذكر أنه يقص على رسوله، أحسن القصص في هذا الكتاب. ثم ذكر هذه القصة، وبسطها، وذكر ما جرى فيها، فعلم بذلك، أنها قصة تامة، كاملة حسنة. فمن أراد أن يكملها أو يحسنها، بما يذكر في الإسرائيليات، التي لا يعرف له سند ولا ناقل، وأغلبها كذب، فهو مستدرك على الله، ومكمل لشيء، بزعم أنه ناقص. وحسبك بأمر ينتهي إلى هذا الحد قبحا، فإن تضاعيف هذه السورة، قد ملئت في كثير من التفاسير، من الأكاذيب، والأمور الشنيعة المناقضة، لما قصه الله تعالى بشيء كثير. فعلى العبد أن يفهم عن الله، ما قصه، ويدع، ما سوى ذلك، مما ليس عن النبي صلى الله عليه وسلم، ينقل. فقوله تعالى: * (إذ قال يوسف لأبيه) * يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، عليهم الصلاة والسلام: * (يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين) *. فكانت هذه الرؤيا، مقدمة لما وصل إليه يوسف عليه السلام، من الارتفاع في الدنيا والآخرة. وهكذا إذا أراد الله أمرا من الأصول العظام، قدم بين يديه مقدمة، توطئة له، وتسهيلا لأمره، واستعدادا لما يرد على العبد من المشاق، ولطفا بعبده، وإحسانا إليه، فأولها يعقوب، بأن الشمس: أمه، والقمر أبوه، والكواكب، إخوته، وأنه ستنتقل به الأحوال إلى أن يصير إلى حال يخضعون له، ويسجدون له، إكراما وإعظاما، وأن ذلك لا يكون، إلا بأسباب تتقدمه من اجتباء الله له، واصطفائه إياه، وإتمام نعمته عليه، بالعلم والعمل، والتمكين في الأرض. وأن هذه النعمة ستشمل آل يعقوب، الذين سجدوا له، وصاروا تبعا له فيها، ولهذا قال: * (وكذلك يجتبيك ربك) * أي: يصطفيك ويختارك بما من به عليك من الأوصاف الجليلة، والمناقب الجميلة، * (ويعلمك من تأويل الأحاديث) * أي: من تعبير الرؤيا، وبيان من تؤول إليه الأحاديث الصادقة، كالكتب السماوية ونحوها، * (ويتم نعمته عليك) * في الدنيا والآخرة، بأن يؤتيك في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، * (كما أتمها على أبويك من قبل إبراهيم وإسحاق) * حيث أنعم الله عليهما، بنعم عظيمة واسعة، دينية، ودنيوية. * (إن ربك عليم حكيم) * أي: علمه محيط بالأشياء، وبما احتوت عليه، ضمائر العباد، من البر وغيره، فيعطي كلا، ما تقتضيه حكمته وحمده، فإنه حكيم، يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها. ولما تم تعبيرها ليوسف، قال له أبوه: * (يا بني لا تقصص رؤياك على
(٣٩٣)