لسخط الله، المقتضية لعقابه، وتحذركم عنها ببيان آثارها ومفاسدها. * (وشفاء لما في الصدور) * وهو: هذا القرآن، شفاء لما في الصدور من أمراض الشهوات الصادة عن الانقياد للشرع، وأمراض الشبهات، القادحة في العلم اليقيني. فإن ما فيه من المواعظ، والترغيب، والترهيب، والوعد والوعيد، مما يوجب للعبد الرغبة والرهبة. وإذا وجدت فيه الرغبة في الخير، والرهبة عن الشر، ونمتا على تكرر ما يرد إليها من معاني القرآن، أوجب ذلك تقديم مراد الله على مراد النفس، وصار ما يرضي الله أحب إلى العبد من شهوة نفسه. وكذلك ما فيه من البراهين والأدلة التي صرفها الله، غاية التصريف، وبينها أحسن بيان، مما يزيل الشبه القادحة في الحق، ويصل به القلب إلى أعلى درجات اليقين. وإذا صح القلب من مرضه، ورفل بأثواب العافية، تبعته الجوارح كلها، فإنها تصلح بصلاحه، وتفسد بفساده، * (وهدى ورحمة للمؤمنين) * فالهدى هو العلم بالحق والعمل به. والرحمة هي: ما يحصل من الخير والإحسان، والثواب العاجل والآجل، لمن اهتدى به. فالهدى، أجل الوسائل، والرحمة أكمل المقاصد والرغائب، ولكن لا يهتدي به، ولا يكون رحمة إلا في حق المؤمنين. وإذا حصل الهدى وحلت الرحمة الناشئة عنه، حصلت السعادة والفلاح، والربح والنجاح، والفرح والسرور. ولذلك أمر تعالى بالفرح بذلك فقال: * (قل بفضل الله) * الذي هو القرآن، الذي هو أعظم نعمة ومنة، وفضل تفضل الله به على عباده * (ورحمته) * الدين والإيمان، وعبادة الله ومحبته ومعرفته. * (فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) * من متاع الدنيا ولذاتها. فنعمة الدين المتصلة بسعادة الدارين، لا نسبة بينها، وبين جميع ما في الدنيا، مما هو مضمحل زائل عن قريب. وإنما أمر الله تعالى بالفرح بفضله ورحمته، لأن ذلك مما يوجب انبساط النفس ونشاطها، وشكرها لله تعالى وقوتها، وشدة الرغبة في العلم والإيمان الداعي للازدياد منهما، وهذا فرح محمود، بخلاف الفرح بشهوات الدنيا ولذاتها، أو الفرح بالباطل، فإن هذا مذموم كما قال تعالى عن قوم قارون له: * (لا تفرح إن الله لا يحب الفرحين) *. وكما قال تعالى في الذين فرحوا بما عندهم من الباطل، المناقض لما جاءت به الرسل: * (فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم) *. * (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل ءآلله أذن لكم أم على الله تفترون * وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة إن الله لذو فضل على الناس ول كن أكثرهم لا يشكرون) * يقول تعالى منكرا على المشركين الذين ابتدعوا تحريم ما أحل الله، وتحليل ما حرمه: * (قل أرأيتم ما أنزل الله لكم من رزق) * يعني أنواع الحيوانات المحللة، التي جعلها الله رزقا لهم ورحمة في حقهم. * (فجعلتم منه حراما وحلالا) * قل لهم موبخا على هذا القول الفاسد: * (آلله أذن لكم أم على الله تفترون) *؟، ومن المعلوم أن الله لم يأذن لهم فعلم أنهم مفترون. * (وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة) * أن يفعل الله بهم من النكال، ويحل بهم من العقاب، قال تعالى: * (ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة) *. * (إن الله لذو فضل على الناس) * كثير، وذو إحسان جزيل، * (ولكن أكثرهم لا يشكرون) *. إما أنهم لا يقومون بشكرها، وإما أن يستعينوا بها على معاصيه، وإما أن يحرموا منها، ويردوا ما من الله به على عباده، وقليل منهم الشاكر، الذي يعترف بالنعمة، ويثني بها على الله، ويستعين بها على طاعته. ويستدل بهذه الآية على أن الأصل في جميع الأطعمة، الحل، إلا ما ورد الشرع بتحريمه، لأن الله أنكر على من حرم الرزق الذي أنزله لعباده. * (وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) * يخبر تعالى عن عموم مشاهدته، واطلاعه على جميع أحوال العباد في حركاتهم، وسكناتهم، وفي ضمن هذا، الدعوة لمراقبته على الدوام فقال: * (وما تكون في شأن) * أي: حال من أحوالك الدينية والدنيوية * (وما تتلو منه من قرآن) * أي: وما تتلو من القرآن، الذي أوحاه الله إليك. * (ولا تعملون من عمل) * صغير أو كبير * (إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه) * أي: وقت شروعكم فيه، واستمراركم على العمل به.
(٣٦٧)