تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٧٥
آمنوا كذلك حقا علينا ننج المؤمنين) * يدعو تعالى عباده إلى النظر لما في السماوات والأرض. والمراد بذلك: نظر الفكر والاعتبار والتأمل، لما فيها وما تحتوي عليه والاستبصار، فإن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون، وعبرا لقوم يوقنون، تدل على أن الله وحده المعبود المحمود، ذو الجلال والإكرام، والأسماء والصفات العظام. * (وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون) * فإنهم لا ينتفعون بالآيات لإعراضهم وعنادهم. * (فهل ينتظرون إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم) * أي: فهل ينتظر هؤلاء الذين لا يؤمنون بآيات الله بعد وضوحها، * (إلا مثل أيام الذين خلوا من قبلهم) * أي: من الهلاك والعقاب، فإنهم صنعوا كصنيعهم، وسنة الله جارية في الأولين والآخرين. * (قل فانتظروا إني معكم من المنتظرين) * فستعلمون من تكون له العاقبة الحسنة، والنجاة في الدنيا والآخرة، وليست إلا للرسل وأتباعهم. ولهذا قال: * (ثم ننجي رسلنا والذين آمنوا) * من مكاره الدنيا والآخرة، وشدائدهما. * (كذلك حقا علينا) * أوجبناه على أنفسنا * (ننجي المؤمنين) * فإن الله يدافع عن الذين آمنوا، فإنه بحسب ما مع العبد من الإيمان تحصل له النجاة من المكاره. * (قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله ول كن أعبد الله الذي يتوفاكم وأمرت أن أكون من المؤمنين * وأن أقم وجهك للدين حنيفا ولا تكونن من المشركين * ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين) * يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، سيد المرسلين، وإمام المتقين وخير الموقنين: * (قل يا أيها الناس إن كنتم في شك من ديني) * أي: في ريب واشتباه، فإني لست في شك منه، بل لدي العلم اليقين أنه الحق، وأن ما تدعون من دون الله باطل، ولي على ذلك، الأدلة الواضحة، والبراهين الساطعة. ولهذا قال تعالى: * (فلا أعبد الذين تعبدون من دون الله) * من الأنداد، والأصنام وغيرهما، لأنها لا تخلق ولا ترزق، ولا تدبر شيئا من الأمور، وإنما هي مخلوقة مسخرة، ليس فيها ما يقتضي عبادتها. * (ولكن أعبد الله الذي يتوفاكم) * أي: هو الله الذي خلقكم، وهو الذي يميتكم، ثم يبعثكم، ليجازيكم بأعمالكم، فهو الذي يستحق أن يعبد، ويصلى له ويسجد. * (وأمرت أن أكون من المؤمنين * وأن أقم وجهك للدين حنيفا) * أي: أخلص أعمالك الظاهرة والباطنة لله، وأقم جميع شرائع الدين حنيفا، أي: مقبلا على الله، معرضا عما سواه، * (ولا تكونن من المشركين) * لا في حالهم، ولا تكن معهم. * (ولا تدع من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك) * وهذا وصف لكل مخلوق، أنه لا ينفع ولا يضر، وإنما النافع الضار، هو الله تعالى. * (فإن فعلت) * أي: دعوت من دون الله ما لا ينفعك ولا يضرك * (فإنك إذا من الظالمين) * أي: الضارين أنفسهم بإهلاكها. وهذا الظلم هو الشرك كما قال تعالى: * (إن الشرك لظلم عظيم) *، فإذا كان خير الخلق، لو دعا مع الله غيره، لكان من الظالمين المشركين فكيف بغيره؟ * (وإن يمسسك الله بضر فلا كاشف له إلا هو وإن يردك بخير فلا رآد لفضله يصيب به من يشاء من عباده وهو الغفور الرحيم) * هذا من أعظم الأدلة على أن الله وحده المستحق للعبادة، فإنه النافع الضار، المعطي، المانع، الذي إذا مس بضر، كفقر ومرض، ونحوها * (فلا كاشف له إلا هو) * لأن الخلق، لو اجتمعوا على أن ينفعوا بشيء، لم ينفعوا إلا بما كتبه الله، ولو اجتمعوا على أن يضروا أحدا، لم يقدروا على شيء من ضرره، إذا لم يرده. ولهذا قال: * (وإن يردك بخير فلا راد لفضله) * أي: لا يقدر أحد من الخلق، أن يرد فضله وإحسانه، كما قال تعالى: * (ما يفتح الله للناس من رحمة، فلا ممسك لها، وما يمسك فلا مرسل له من بعده) *. * (يصيب به من يشاء من عباده) * أي: يختص برحمته من شاء من خلقه، والله ذو الفضل العظيم، * (وهو الغفور) * لجميع الزلات، الذي يوفق عبده، لأسباب مغفرته، ثم إذا فعلها العبد، غفر الله ذنوبه، كبارها، وصغارها. * (الرحيم) * الذي وسعت رحمته كل شيء ووصل جوده إلى جميع الموجودات، بحيث لا تستغني عن إحسانه طرفة عين. فإذا عرف العبد بالدليل القاطع أن الله هو المفرد بالنعم، وكشف النقم، وإعطاء الحسنات، وكشف السيئات والكربات، وأن أحدا من الخلق، ليس بيده من هذا شيء، إلا ما أجراه الله على يده، جزم بأن الله هو الحق، وأن ما يدعون من دونه هو الباطل. ولهذا، لما بين الدليل الواضح قال بعده: * (قل يا أيها الناس قد جاءكم الحق من ربكم فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها ومآ أنا عليكم بوكيل * واتبع ما يوحى إليك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين) * أي: * (قل) * يا أيها الرسول، لما تبين البرهان * (يا أيها الناس قد جاءكم الحق
(٣٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 370 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 ... » »»