تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٧٦
من ربكم) * أي: الخبر الصادق المؤيد بالبراهين، الذي لا شك فيه، بوجه من الوجوه، وهو واصل إليكم من ربكم الذي من أعظم تربيته لكم، أن أنزل إليكم هذا القرآن، الذي فيه تبيان لكل شيء، وفيه من أنواع الأحكام والمطالب الإلهية، والأخلاق المرضية، ما فيه أعظم تربية لكم، وإحسان منه إليكم، فقد تبين الرشد من الغي، ولم يبق لأحد شبهة. * (فمن اهتدى) * بهدي الله بأن علم الحق وتفهمه، وآثره على غيره * (فإنما يهتدي لنفسه) * والله تعالى غني عن عباده، وإنما ثمرة أعمالهم، راجعة إليهم. * (ومن ضل) * عن الهدى بأن أعرض عن العلم بالحق، أو عن العمل به، * (فإنما يضل عليها) * ولا يضر الله شيئا، فلا يضر إلا نفسه. * (وما أنا عليكم بوكيل) * فأحفظ أعمالكم وأحاسبكم عليها، وإنما أنا لكم نذير مبين، والله عليكم وكيل. فانظروا لأنفسكم ما دمتم في مدة الإمهال. * (واتبع) * (أيها الرسول) * (ما يوحى إليك) * علما، وعملا، وحالا، ودعوة إليه، * (واصبر) * على ذلك، فإن هذا أعلى أنواع الصبر، وإن عاقبته حميدة، فلا تكسل، ولا تضجر، بل دم على ذلك وأثبت، * (حتى يحكم الله) * بينك وبين من كذبك * (وهو خير الحاكمين) * فإن حكمه مشتمل عل العدل التام، والقسط الذي يحمد عليه. وقد امتثل صلى الله عليه وسلم أمر ربه، وثبت على الصراط المستقيم، حتى أظهر الله دينه على سائر الأديان، ونصره على أعدائه بالسيف والسنان بعدما نصره الله عليهم، بالحجة والبرهان. فلله الحمد، والثناء الحسن، كما ينبغي لجلاله، وعظمته، وكماله، وسعة إحسانه. تم تفسير سورة يونس والحمد لله رب العالمين. سورة هود * (الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير * ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير * وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير * إلى الله مرجعكم وهو على كل شيء قدير) * يقول تعالى: هذا * (كتاب) * عظيم، ونزل كريم، * (أحكمت آياته) * أي: أتقنت وأحسنت، صادقة أخبارها، عادلة أوامرها ونواهيها، فصيحة ألفاظه بهية معانيه. * (ثم فصلت) * أي: ميزت، وبينت بيانا في أعلى أنواع البيان، * (من لدن حكيم) * يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها، لا يأمر، ولا ينهى، إلا بما تقتضيه حكمته، * (خبير) * مطلع على الظواهر والبواطن. فإذا كان إحكامه وتفصيله من عند الله الحكيم الخبير، فلا تسأل بعد هذا عن عظمته وجلالته واشتماله على كمال الحكمة، وسعة الرحمة. وإنما أنزل الله كتابه لأجل * (ألا تعبدوا إلا الله) * أي: لأجل إخلاص الدين كله لله، وأن لا يشرك به أحد من خلقه. * (إنني لكم) * (أيها الناس) * (منه) * أي: من الله ربكم * (نذير) * لمن تجرأ على المعاصي، بعقاب الدنيا والآخرة، * (وبشير) * للمطيعين لله، بثواب الدنيا والآخرة. * (وأن استغفروا ربكم) * عن ما صدر منكم من الذنوب * (ثم توبوا إليه) * فيما تستقبلون من أعماركم بالرجوع إليه، بالإنابة والرجوع عما يكرهه الله إلى ما يحبه ويرضاه. ثم ذكر ما يترتب على الاستغفار والتوبة فقال: * (يمتعكم متاعا حسنا) * أي: يعطيكم من رزقه ما تتمتعون به وتنتفعون. * (إلى أجل مسمى) * أي: إلى وقت وفاتكم * ( ويؤت) * (منكم) * (كل ذي فضل فضله) * أي: يعطي أهل الإحسان والبر من فضله وبره، ما هو جزاء لإحسانهم، من حصول ما يحبون، ودفع ما يكرهون. * (وإن تولوا) * عن ما دعوتكم إليه، بل أعرضتم عنه، وربما كذبتم به * (فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير) * وهو يوم القيامة، الذي يجمع الله فيه الأولين والآخرين. * (إلى الله مرجعكم) * ليجازيهم بأعمالهم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر. وفي قوله: * (وهو على كل شيء قدير) * كالدليل على إحياء الله الموتى، فإنه على كل شيء قدير، ومن جملة الأشياء إحياء الموتى، وقد أخبر بذلك وهو أصدق القائلين، فيجب وقوع ذلك عقلا ونقلا. * (ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور) * يخبر تعالى عن جهل المشركين، وشدة ضلالهم أنهم * (يثنون صدورهم) * أي: يميلونها * (ليستخفوا منه) * أي: من الله، فتقع صدورهم
(٣٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 371 372 373 374 375 376 377 378 379 380 381 ... » »»