* (قل هل من شركآئكم من يبدأ الخلق ثم يعيده قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده فأنى تؤفكون * قل هل من شركآئكم من يهدي إلى الحق قل الله يهدي للحق أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فما لكم كيف تحكمون * وما يتبع أكثرهم إلا ظنا إن الظن لا يغني من الحق شيئا إن الله عليم بما يفعلون) * يقول تعالى مبينا عجز آلهة المشركين، وعدم اتصافها، بما يوجب اتخاذها آلهة مع الله: * (قل هل من شركائكم من يبدأ الخلق) * أي يبتديه * (ثم يعيده) *. وهذا استفهام بمعنى النفي والتقرير، أي: ما منهم أحد يبدأ الخلق ثم يعيده، وهي أضعف من ذلك وأعجز، * (قل الله يبدأ الخلق ثم يعيده) * من غير مشارك، ولا معاون له على ذلك. * (فأنى تؤفكون) * أي: تصرفون، وتنحرفون عن عبادة المنفرد بالابتداء، والإعادة، إلى عبادة من لا يخلق شيئا وهم يخلقون. * (قل هل من شركائكم من يهدي إلى الحق) * ببيانه وإرشاده أو بإلهامه وتوفيقه. * (قل الله) * وحده * (يهدي للحق) * بالأدلة والبراهين، وبالإلهام والتوفيق، والإعانة إلى سلوك أقوم طريق. * (أفمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أم من لا يهدي) * أي: لا يهتدي * (إلا أن يهدى) * لعدم علمه، ولضلاله، وهي شركاؤهم التي لا تهدي ولا تهتدي إلا أن تهدى * (فما لكم كيف تحكمون) * أي: أي شيء يجعلكم تحكمون هذا الحكم الباطل، بصحة عبادة أحد مع الله، بعد ظهور الحجة والبرهان، أنه لا يستحق العبادة إلا الله وحده. فإذا تبين أنه ليس في آلهتهم التي يعبدون مع الله، أوصافا معنوية، ولا أوصافا فعلية، تقتضي أن تعبد مع الله، بل هي متصفة بالنقائص الموجبة لبطلان إلهيتها، فلأي شيء جعلت مع الله آلهة؟ فالجواب: أن هذا من تزيين الشيطان للإنسان، أقبح البهتان، وأضل الضلال، حتى اعتقد ذلك وألفه، وظنه حقا، وهو لا شيء. ولهذا قال: * (وما يتبع أكثرهم) * أي: أكثر الذين يدعون من دون الله شركاء، * (إلا ظنا) * أي: ما يتبعون في الحقيقة شركاء لله، فإنه ليس لله شريك أصلا، عقلا، ولا نقلا، وإنما يتبعون الظن و * (إن الظن لا يغني من الحق شيئا) *. فسموها آلهة، وعبدوها مع الله، * (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان) *. * (إن الله عليم بما يفعلون) * وسيجازيهم على ذلك بالعقوبة البليغة. * (وما كان ه ذا القرآن أن يفترى من دون الله ول كن تصديق الذي بين يديه وتفصيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين * أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين * بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولما يأتهم تأويله كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين * ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين * وإن كذبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون ممآ أعمل وأنا بريء مما تعملون) * يقول تعالى: * (وما كان هذا القرآن أن يفترى من دون الله) * أي: غير ممكن ولا متصور، أن يفترى هذا القرآن على الله، لأنه الكتاب العظيم الذي * (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) *، وهو الكتاب * (الذي لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا) *. وهو الكتاب الذي تكلم به رب العالمين، فكيف يقدر أحد من الخلق أن يتكلم بمثله، أو بما يقاربه، والكلام تابع لعظمة المتكلم ووصفه؟ فإن كان أحد يماثل الله في عظمته، وأوصاف كماله، أمكن أن يأتي بمثل هذا القرآن، ولو تنزلنا على الفرض والتقدير، فتقوله أحد على رب العالمين، لعاجله بالعقوبة وبادره بالنكال. * (ولكن) * الله أنزل هذا الكتاب، رحمة للعالمين، وحجة على العباد أجمعين. أنزله * (تصديق الذي بين يديه) * من كتب الله السماوية، بأن وافقها، وصدقها بما شهدت به، وبشرت بنزوله، فوقع كما أخبرت. * (وتفصيل الكتاب) * للحلال والحرام، والأحكام الدينية والقدرية، والإخبارات الصادقة. * (لا ريب فيه من رب العالمين) * أي: لا شك ولا مرية فيه، بوجه من الوجوه، بل هو الحق اليقين: * (تنزيل من رب العالمين) * الذي ربى جميع الخلق بنعمه. ومن أعظم أنواع تربيته أن أنزل عليهم هذا الكتاب، الذي فيه مصالحهم الدينية والدنيوية، المشتمل على مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال. * (أم يقولون) * أي المكذبون به، عنادا وبغيا: * (افتراه) * محمد على الله، واختلقه، * (قل) * لهم ملزما لهم بشيء إن قدروا عليه، أمكن ما ادعوه، وإلا كان قولهم باطلا. * (فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين) * يعاونكم على الإتيان بسورة مثله، وهذا محال، ولو كان ممكنا لادعوا قدرتهم على ذلك، ولأتوا بمثله. ولكن لما بان عجزهم تبين أن ما قالوه باطل، لاحظ له من الحجة. والذي حملهم على التكذيب بالقرآن، المشتمل على الحق، الذي لا حق فوقه، أنهم لم يحيطوا به علما. فلو أحاطوا به علما، وفهموه حق فهمه، لأذعنوا بالتصديق به. وكذلك إلى الآن لم يأتهم تأويله الذي وعدهم أن ينزل بهم العذاب ويحل بهم النكال، وهذا التكذيب الصادر منهم من جنس تكذيب من قبلهم، ولهذا قال: * (كذلك كذب الذين من قبلهم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين) * وهو الهلاك
(٣٦٤)