فراقبوا الله في أعمالكم، وأدوها على وجه النصيحة والاجتهاد فيها، وإياكم وما يكره الله تعالى، فإنه مطلع عليكم، عالم بظواهركم وبواطنكم. * (وما يعزب عن ربك) * أي: ما يغيب عن علمه وسمعه وبصره ومشاهدته * (من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين) * أي: قد أحاط به علمه، وجرى به قلمه. وهاتان المرتبتان من مراتب القضاء والقدر، كثيرا ما يقرن الله بينهما، وهما: العلم المحيط بجميع الأشياء، وكتابته المحيطة بجميع الحوادث، وكقوله تعالى: * (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير) *. * (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا وكانوا يتقون لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة لا تبديل لكلمات الله ذلك هو الفوز العظيم) * يخبر تعالى عن أوليائه وأحبائه، ويذكر أعمالهم وأوصافهم، وثوابهم، فقال: * (ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم) * فيما يستقبلونه، مما أمامهم، من المخاوف والأهوال. * (ولا هم يحزنون) * على ما أسلفوا، لأنهم لم يسلفوا إلا صالح الأعمال. وإذا كانوا لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ثبت لهم الأمن والسعادة، والخير الكثير الذي لا يعلمه إلا الله تعالى. ثم ذكر وصفهم فقال: * (الذين آمنوا) * بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وصدقوا إيمانهم باستعمال التقوى، بامتثال الأوامر واجتناب النواهي. فكل من كان مؤمنا تقيا، كان لله تعالى وليا، لذلك كانت * (لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة) *. أما البشارة في الدنيا، فهي: الثناء الحسن، والمودة في قلوب المؤمنين، والرؤيا الصالحة، وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لأحسن الأمال والأخلاق، وصرفه عن مساوىء الأخلاق. وأما في الآخرة، فأولها، البشارة عند قبض أرواحهم، كما قال تعالى: * (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) *. وفي القبر، ما يبشر به من رضا الله تعالى، والنعيم المقيم. وفي الآخرة، تمام البشرى، بدخول جنات النعيم، والنجاة من العذاب الأليم. * (لا تبديل لكلمات الله) * بل ما وعد الله فهو حق، لا يمكن تغييره ولا تبديله، لأنه الصادق في قيله، الذي لا يقدر أحد أن يخالفه فيما قدره وقضاه. * (ذلك هو الفوز العظيم) * لأنه اشتمل على النجاة من كل محذور، والظفر بكل مطلوب محبوب. وحصر الفوز فيه، لأنه لا فوز لغير أهل الإيمان والتقوى. والحاصل أن البشرى شاملة لكل خير وثواب، رتبه الله في الدنيا والآخرة، على الإيمان والتقوى، ولهذا أطلق ذلك، فلم يقيده. * (ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم) * أي: ولا يحزنك قول المكذبين فيك، من الأقوال، التي يتوصلون بها إلى القدح فيك، وفي دينك، فإن أقوالهم لا تعزهم، ولا تضرك شيئا. * (إن العزة لله جميعا) * يؤتيها من يشاء، ويمنعها ممن يشاء. قال تعالى: * (من كان يريد العزة فلله العزة جميعا) * أي: فليطلبها بطاعته، بدليل قوله بعده: * (إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه) *. ومن المعلوم أنك على طاعة الله، وأن العزة لك ولأتباعك من الله، * (ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين) *. وقوله: * (هو السميع العليم) * أي: سمعه قد أحاط بجميع الأصوات، فلا يخفى عليه شيء منها. وعلمه قد أحاط جميع الظواهر والبواطن، فلا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات والأرض، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر. وهو تعالى يسمع قولك، وقول أعدائك فيه، يعلم ذلك تفصيلا، فاكتف بعلم الله وكفايته، فمن يتق الله فهو حسبه. * (ألا إن لله من في السماوات ومن في الأرض وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن وإن هم إلا يخرصون هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) * يخبر تعالى: أنه له ما في السماوات والأرض، خلقا وملكا، يتصرف فيهم بما يشاء من أحكامه. فالجميع مماليك لله، مسخرون، مدبرون، لا يستحقون شيئا من العبادة، وليسوا شركاء لله، بوجه من الوجوه، ولهذا قال: * (وما يتبع الذين يدعون من دون الله شركاء إن يتبعون إلا الظن) * أي: الذي لا يغني من الحق شيئا * (وإن هم إلا يخرصون) * في ذلك، خرص
(٣٦٨)