تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٦١
* (ويقولون) * أي: المكذبون المتعنتون، * (لولا أنزل عليه آية من ربه) *. يعنون: آيات الاقتراح التي يعينونها، كقولهم: * (لولا أنزل إليه ملك فيكون معه نذيرا) * الآيات. وكقولهم: * (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا) * الآيات (90 إلى 93) من سورة الإسراء. * (فقل) * لهم إذا طلبوا منك آية * (إنما الغيب لله) * أي: هو المحيط علما بأحوال العباد، فيدبرهم بما يقتضيه علمه فيهم، وحكمته البديعة، وليس لأحد تدبير في حكم ولا دليل، ولا غاية، ولا تعليل. * (فانتظروا إني معكم من المنتظرين) *. أي: كل ينتظر بصاحبه، ما هو أهل له، فانظروا لمن تكون العاقبة. * (وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون) * يقول تعالى: * (وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم) * كالصحة بعد المرض، والغنى بعد الفقر، والأمن بعد الخوف، نسوا ما أصابهم من الضراء، ولم يشكروا الله على الرخاء والرحمة، بل استمروا في طغيانهم ومكرهم. ولهذا قال: * (إذا لهم مكر في آياتنا) * أي يسعون بالباطل، ليبطلوا به الحق. * (قل الله أسرع مكرا) * فإن المكر السئ لا يحيق إلا بأهله، فمقصودهم منعكس عليهم، ولم يسلموا من التبعة، بل تكتب الملائكة عليهم، ما يعملون، ويحصيه الله، ثم يجازيهم عليه أوفر الجزاء. * (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجآءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من ه ذه لنكونن من الشاكرين * فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون) * لما ذكر تعالى القاعدة العامة في أحوال الناس عند إصابة الرحمة لهم بعد الضراء، واليسر بعد العسر، ذكر حالة تؤيد ذلك وهي: حالهم في البحر، عند اشتداده والخوف من عواقبه، فقال: * (هو الذي يسيركم في البر والبحر) * بما يسر لكم من الأسباب الميسرة لكم فيها، وهداكم إليها. * (حتى إذا كنتم في الفلك) * أي: السفن البحرية * (وجرين بهم بريح طيبة) * موافقة لما يهوونه، من غير انزعاج ولا مشقة. * (وفرحوا بها) * واطمأنوا إليها، فبينما هم كذلك، إذ * (جاءتها ريح عاصف) * شديدة الهبوب * (وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم) * أي: عرفوا أنه الهلاك، فانقطع حينئذ، تعلقهم بالمخلوقين، وعرفوا أنه لا ينجيهم من هذه الشدة إلا الله وحده. وحينئذ * (دعوا الله مخلصين له الدين) * ووعدوا من أنفسهم على وجه الإلزام، فقالوا: * (لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين) *. * (فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق) * أي نسوا تلك الشدة وذلك الدعاء، وما ألزموه أنفسهم، فأشركوا بالله، من اعترفوا بأنه لا ينجيهم من الشدائد، ولا يدفع عنهم المضايق. فهلا أخلصوا لله العبادة في الرخاء، كما أخلصوها في الشدة؟ ولكن هذا البغي يعود وباله عليهم، ولهذا قال: * (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا) * أي: غاية ما تؤملون ببغيكم، وشرودكم عن الإخلاص لله، أن تنالوا شيئا من حطام الدنيا وجاهها، النزر اليسير الذي سينقضي سريعا، ويمضي جميعا، ثم تنتقلون عنه بالرغم. * (ثم إلينا مرجعكم) * في يوم القيامة * (فننبئكم بما كنتم تعملون) * وفي هذا غاية التحذير لهم عن الاستمرار على عملهم. * (إنما مثل الحياة الدنيا كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض مما يأكل الناس والأنعام حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا ليلا أو نهارا فجعلناها حصيدا كأن لم تغن بالأمس كذلك نفصل الآيات لقوم يتفكرون) * وهذا المثل من أحسن الأمثلة، وهو مطابق لحالة الدنيا، فإن لذاتها وشهواتها وجاهها، ونحو ذلك يزهو لصاحبه إن زها وقتا قصيرا، فإذا استكمل وتم، اضمحل، وزال عن صاحبه، أو زال صاحبه عنه، فأصبح صفر اليدين منها، ممتلئ القلب من همها وحزنها وحسرتها. فذلك * (كماء أنزلناه من السماء فاختلط به نبات الأرض) * أي: نبت فيها من كل صنف، وزوج بهيج * (مما يأكل الناس) * كالحبوب والثمار * (و) * مما تأكل * (الأنعام) * كأنواع العشب، والكلأ المختلف الأصناف. * (حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت) * أي: تزخرفت في منظرها، واكتست في زينتها، فصارت بهجة للناظرين، ونزهة للمتفرجين، وآية
(٣٦١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 366 ... » »»