تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٦٩
إفك وبهتان. فإن كانوا صادقين، في أن معبوداتهم شركاء لله، فليظهروا من أوصافها ما تستحق به مثقال ذرة من العبادة، فلن يستطيعوا. فهل منهم أحد يخلق شيئا، أو يرزق، أو يملك شيئا من المخلوقات، أو يدبر الليل والنهار، الذي جعله الله قياما للناس؟. و * (هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه) * في النوم والراحة بسبب الظلمة، التي تغشى وجه الأرض، فلو استمر الضياء، لما قروا، ولما سكنوا. * (و) * جعل الله * (النهار مبصرا) * أي: مضيئا، يبصر به الخلق، فينصرفون في معايشهم، ومصالح دينهم ودنياهم. * (إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون) * عن الله، سمع فهم، وقبول، واسترشاد، لا سمع تعنت وعناد، فإن في ذلك لآيات لقوم يسمعون، ويستدلون بها على أنه وحده المعبود وأنه الإله الحق، وأن إلهية ما سواه باطلة، وأنه الرؤوف الرحيم العليم الحكيم. * (قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان به ذآ أتقولون على الله ما لا تعلمون * قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون * متاع في الدنيا ثم إلينا مرجعهم ثم نذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرون) * يقول تعالى مخبرا عن بهت المشركين لرب العالمين * (قالوا اتخذ الله ولدا) *، فنزه نفسه عن ذلك بقوله: * (سبحانه) * أي: تنزه عما يقول الظالمون، في نسبة النقائص إليه علوا كبيرا، ثم برهن عن ذلك، بعدة براهين: أحدها: قوله: * (هو الغني) * أي: الغنى منحصر فيه، وأنواع الغنى مستغرقة فيه، فهو الغني، الذي له الغنى التام، بكل وجه واعتبار، من جميع الوجوه، فإذا كان غنيا من كل وجه، فلأي شيء يتخذ الولد؟ ألحاجة منه إلى الولد، فهذا مناف لغناه، فلا يتخذ أحد ولدا إلا لنقص في غناه. البرهان الثاني، قوله: * (له ما في السماوات وما في الأرض) * وهذه كلمة جامعة عامة لا يخرج عنها موجود من أهل السماوات والأرض، الجميع مخلوقون عبيد مماليك. ومن المعلوم أن هذا الوصف العام، ينافي أن يكون له ولد، فإن الولد من جنس والده، لا يكون مخلوقا ولا مملوكا. فملكيته لما في السماوات والأرض عموما، تنافي الولادة. البرهان الثالث، قوله: * (إن عندكم من سلطان بهذا) * أي: هل عندكم من حجة وبرهان يدل على أن لله ولدا، فلو كان لهم دليل، لأبدوه. فلما تحداهم وعجزهم على إقامة الدليل، علم بطلان ما قالوه. وأن ذلك قول بلا علم، ولهذا قال: * (أتقولون على الله ما لا تعلمون) * فإن هذا من أعظم المحرمات. * (قل إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون) * أي: لا ينالون مطلوبهم، ولا يحصل لهم مقصودهم، وإنما يتمتعون في كفرهم وكذبهم في الدنيا، قليلا، ثم ينتقلون إلى الله، ويرجعون إليه، فيذيقهم العذاب الشديد بما كانوا يكفرن، * (وما ظلمهم الله ولكن أنفسهم يظلمون) *. * (واتل عليهم نبأ نوح إذ قال لقومه يقوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكلت فأجمعوا أمركم وشركآءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون * فإن توليتم فما سألتكم من أجر إن أجري إلا على الله وأمرت أن أكون من المسلمين * فكذبوه فنجيناه ومن معه في الفلك وجعلناهم خلائف وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا فانظر كيف كان عاقبة المنذرين) * يقول تعالى لنبيه: * (واتل عليهم) * أي: على قومك * (نبأ نوح) * في دعوته لقومه، حين دعاهم إلى الله مدة طويلة، فمكث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما، فلم يزدهم دعاؤه إياهم إلا طغيانا فتمللوا منه، وسئموا، وهو عليه الصلاة والسلام غير متكاسل، ولا متوان في دعوتهم، فقال لهم: * (يا قوم إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله) * أي: إن كان مقامي عندكم وتذكيري إياكم ما ينفعكم * (بآيات الله) * الأدلة الواضحة البينة، قد شق عليكم، وعظم لديكم، وأردتم أن تنالوني بسوء أو تردوا الحق. * (فعلى الله توكلت) * أي: اعتمدت على الله، في دفع كل شر يراد بي، وبما أدعو إليه، فهذا جندي، وعدتي. وأنتم، فأتوا بما قدرتم عليه، من أنواع العدد والعدد. * (فأجمعوا أمركم) * كلكم، بحيث لا يتخلف منكم أحد، ولا تدخروا من مجهودكم شيئا. * (و) * أحضروا * (شركاءكم) * الذين كنتم تعبدونهم وتوالونهم من دون الله رب العالمين. * (ثم لا يكن أمركم عليكم غمة) * أي: مشتبها خفيا، بل ليكن ذلك ظاهرا علانية. * (ثم اقضوا إلي) * أي: اقضوا علي بالعقوبة والسوء الذي في إمكانكم، * (ولا تنظرون) * أي: لا تمهلوني ساعة
(٣٦٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 364 365 366 367 368 369 370 371 372 373 374 ... » »»