تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٦٦
وأما حسابهم، إنزال العذاب عليهم، فمن الله تعالى، ينزل عليهم إذا جاء الأجل، الذي أجله فيه، والوقت الذي قدره فيه، الموافق لحكمته الإلهية. فإذا جاء ذلك الوقت، لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون، فليحذر المكذبون من الاستعجال، فإنهم مستعجلون بعذاب الله، الذي إذا نزل، لا يرد بأسه عن القوم المجرمين، ولهذا قال: * (قل أرأيتم) * إلى * (تكسبون) *. يقول تعالى: * (قل أرأيتم إن أتاكم عذابه بياتا) * وقت نومكم بالليل * (أو نهارا) * في وقت غفلتكم * (ماذا يستعجل منه المجرمون) * أي: أي بشارة استعجلوا بها، وأي عقاب ابتدروه؟ * (أثم إذا ما وقع آمنتم به) * فإنه لا ينفع الإيمان حين حلول عذاب الله، ويقال لهم توبيخا وعتابا في تلك الحال التي زعموا أنهم يؤمنون. * (الأن) * تؤمنون في حال الشدة والمشقة؟ * (وقد كنتم به تستعجلون) * فإن سنة الله في عباده أنه يعتبهم إذا استعتبوه قبل وقوع العذاب. فإذا وقع العذاب، لا ينفع نفسا إيمانها، كما قال تعالى عن فرعون، لما أدركه الغرق: * (قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين) * وأنه يقال له: * (آلآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين) *. وقال تعالى: * (فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنة الله التي قد خلت في عباده) *، وقال هنا: * (أثم إذا ما وقع آمنتم به آلآن) * تدعون الإيمان، * (وقد كنتم به تستعجلون) * فهذا ما عملت أيديكم، وهذا ما استعجلتم به. * (ثم قيل للذين ظلموا) * حين يوفون أعمالهم يوم القيامة: * (ذوقوا عذاب الخلد) * أي: العذاب الذي تخلدون فيه، ولا يفتر عنكم ساعة. * (هل تجزون إلا بما كنتم تكسبون) * من الكفر والتكذيب والمعاصي. * (ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق ومآ أنتم بمعجزين * ولو أن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة لما رأوا العذاب وقضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون * ألا إن لله ما في السماوات والأرض ألا إن وعد الله حق ول كن أكثرهم لا يعلمون * هو يحي ي ويميت وإليه ترجعون) * يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (ويستنبئونك أحق هو) * أي: يستخبرك المكذبون على وجه التعنت والعناد، لا على وجه التبين والاسترشاد. * (أحق هو) * أي: أصحيح حشر العباد، وبعثهم بعد موتهم ليوم المعاد، وجزاء العباد بأعمالهم، إن خيرا فخير، وإن شرا فشر؟ * (قل) * لهم مقسما على صحته، مستدلا عليه بالدليل الواضح والبرهان: * (إي وربي إنه لحق) * لا مرية فيه ولا شبهة تعتريه. * (وما أنتم بمعجزين) * لله أن يبعثكم، فكما ابتدأ خلقكم، ولم تكونوا شيئا، كذلك يعيدكم مرة أخرى ليجازيكم بأعمالهم. * (و) * إذا كانت القيامة * (لو أن لكل نفس ظلمت) * بالكفر والمعاصي جميع * (ما في الأرض) * من ذهب وفضة وغيرهما، لتفتدي به من عذاب الله * (لافتدت به) * ولما نفعها ذلك، وإنما النفع والضر، والثواب والعقاب، على الأعمال الصالحة، والسيئة. * (وأسروا) * أي: الذين ظلموا * (الندامة لما رأوا العذاب) * ندموا على ما قدموا، ولات حين مناص، * (وقضي بينهم بالقسط) * أي: العدل التام الذي لا ظلم ولا جور فيه بوجه من الوجوه. * (ألا إن لله ما في السماوات والأرض) * يحكم فيهم بحكمه الديني والقدري، وسيحكم فيهم بحكمه الجزائي. ولهذا قال: * (ألا إن وعد الله حق ولكن أكثرهم لا يعلمون) * فلذلك لا يستعدون للقاء الله، بل ربما لم يؤمنوا به، وقد تواترت عليه الأدلة القطعية والبراهين النقلية والعقلية. * (هو يحيي ويميت) * أي: هو المتصرف بالإحياء والإماتة، وسائر أنواع التدابير، لا شريك له في ذلك. * (وإليه ترجعون) * يوم القيامة، فيجازيكم بأعمالكم خيرها وشرها. * (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون) * يقول تعالى مرغبا الخلق، في الإقبال على هذا الكتاب الكريم، بذكر أوصافه الحسنة الضرورية للعباد فقال: * (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم) * أي: تعظكم، وتنذركم عن الأعمال الموجبة
(٣٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 361 362 363 364 365 366 367 368 369 370 371 ... » »»