شرعه، الذي مضمونه ومقصوده، عبادته وحده لا شريك له، ذكر الحكم الجزائي، وهم: مجازاته على الأعمال بعد الموت، فقال: * (إليه مرجعكم جميعا) * أي: سيجمعكم بعد موتكم، لميقات يوم معلوم. * (وعد الله حقا) * أي: وعده صادق، لا بد من إتمامه * (إنه يبدأ الخلق ثم يعيده) *، فالقادر على ابتداء، الخلق، قادر على إعادته. والذي يرى ابتداءه بالخلق، ثم ينكر إعادته للخلق، فهو فاقد العقل، منكر لأحد المثلين، مع إثبات ما هو أولى منه، فهذا دليل عقلي واضح على المعاد. ثم ذكر الدليل النقلي فقال: * (ليجزي الذين آمنوا) * بقلوبهم بما أمرهم الله بالإيمان به. * (وعملوا الصالحات) * بجوارحهم، من واجبات، ومستحبات، * (بالقسط) * أي: بإيمانهم وأعمالهم، جزاء قد بينه لعباده، وأخبر أنه لا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين، * (والذين كفروا) * بآيات الله، وكذبوا رسل الله. * (لهم شراب من حميم) * أي: ماء حار، يشوي الوجوه، ويقطع الأمعاء. * (وعذاب أليم) * من سائر أصناف العذاب * (بما كانوا يكفرون) *، أي: بسبب كرهم وظلمهم، وما ظلمهم الله، ولكن أنفسهم يظلمون. * (هو الذي جعل الشمس ضياء والقمر نورا وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب ما خلق الله ذلك إلا بالحق يفصل الآيات لقوم يعلمون إن في اختلاف الليل والنهار وما خلق الله في السماوات والأرض لآيات لقوم يتقون) * لما قرر ربوبيته، وإلهيته، ذكر الأدلة العقلية الأفقية، الدالة على ذلك وعلى كماله، في أسمائه وصفاته، من الشمس والقمر، والسماوات والأرض وجميع ما خلق فيهما من سائر أصناف المخلوقات، وأخبر أنها آيات * (لقوم يعلمون) * و * (لقوم يتقون) *. فإن العلم يهدي إلى معرفة الدلالة فيها، وكيفية استنباط الدلائل على أقرب وجه، والتقوى تحدث في القلب، الرغبة في الخير، والرهبة من الشر، الناشئين عن الأدلة والبراهين، وعن العلم واليقين. وحاصل ذلك أن مجرد خلق هذه المخلوقات بهذه الصفة، دال على كمال قدرة الله تعالى، وعلمه، وحياته، وقيوميته، وما فيها من الأحكام، والإتقان، والإبداع والحسن، دال على كمال حكمة الله، وحسن خلقه وسعة علمه. وما فيها من أنواع المنافع والمصالح كجعل الشمس ضياء، والقمر نورا، يحصل بهما من النفع الضروري وغيره مما يحصل يدل ذلك على رحمة الله تعالى واعتنائه بعباده وسعة بره وإحسانه، وما فيها من التخصيصات، دال على مشيئة الله، وإرادته النافذة. وذلك دال على أنه وحده المعبود، والمحبوب المحمود، ذو الجلال والإكرام، والأوصاف العظام، الذي لا تنبغي الرغبة والرهبة، إلا إليه، ولا يصرف خالص الدعاء إلا له، لا لغيره، من المخلوقات المربوبات، المفتقرات إلى الله، في جميع شؤونها. وفي هذه الآيات الحث والترغيب على التفكير في مخلوقات الله، والنظر فيها، بعين الاعتبار. فإن بذلك تنفسح البصيرة، ويزداد الإيمان والعقل، وتقوى القريحة. وفي إهمال ذلك، تهاون بما أمر الله به، وإغلاق لزيادة الإيمان، وجمود للذهن والقريحة. * (إن الذين لا يرجون لقآءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون * أول ئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون) * يقول تعالى: * (إن الذين لا يرجون لقاءنا) * أي: لا يطمعون بلقاء الله، الذي هو أكبر ما طمع فيه الطامعون، وأعلى ما أمله المؤملون، بل أعرضوا عن ذلك، وربما كذبوا به * (ورضوا بالحياة الدنيا) * بدلا عن الآخرة. * (واطمأنوا بها) * أي: ركنوا إليها، وجعلوها غاية أمرهم، ونهاية قصدهم. فسعوا لها، وأكبوا على لذاتها وشهواتها، بأي طريق حصلت، حصلوها، ومن أي وجه لاحت، ابتدروها، قد صرفوا إرادتهم ونياتهم وأفكارهم وأعمالهم إليها. فكأنهم خلقوا للبقاء فيها، وكأنها ليست بدار ممر، يتزود فيها المسافرون، إلى الدار الباقية التي إليها، يرحل الأولون والآخرون، وإلى نعيمها ولذاتها شمر الموفقون. * (والذين هم عن آياتنا غافلون) * فلا ينتفعون بالآيات القرآنية، ولا بالآيات الأفقية والنفسية، والإعراض عن الدليل، مستلزم للإعراض والغفلة، عن المدلول المقصود. * (أولئك) * الذين هذا وصفهم * (مأواهم النار) * أي: مقرهم ومسكنهم، التي لا يرحلون عنها. * (بما كانوا يكسبون) * من الكفر والشرك، وأنواع المعاصي. فلما ذكر عقابهم، ذكر ثواب المطيعين فقال: * (إن الذين آمنوا) * إلى * (أن الحمد لله رب العالمين) *. * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم دعواهم فيها سبحانك اللهم وتحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين) * يقول تعالى: * (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات) * أي: جمعوا بين الإيمان، والقيام بموجبه ومقتضاه من الأعمال الصالحة، المشتملة على أعمال القلوب، وأعمال الجوارح، على وجه الإخلاص والمتابعة. * (يهديهم ربهم بإيمانهم) * أي: بسبب ما معهم من الإيمان، يثيبهم الله أعظم الثواب، وهو: الهداية، فيعلمهم ما ينفعهم، ويمن عليهم بالأعمال الناشئة عن الهداية، ويهديهم للنظر في آياته، ويهديهم في هذه الدار، إلى
(٣٥٨)