* (حريص عليكم) * فيحب لكم الخير، ويسعى جهده في إيصاله إليكم، ويحرص على هدايتكم إلى الإيمان، ويكره لكم الشر، ويسعى جهده في تنفيركم عنه. * (بالمؤمنين رؤوف رحيم) * أي: شديد الرأفة والرحمة بهم، أرحم بهم من والديهم. ولهذا كان حقه مقدما على سائر حقوق الخلق، وواجب على الأمة الإيمان به، وتعظيمه، وتوقيره، وتعزيره، * (فإن) * آمنوا، فذلك حظهم وتوفيقهم، وإن * (تولوا) * عن الإيمان والعمل، فامض على سبيلك، ولا تزل في دعوتك، وقل: * (حسبي الله) * أي: الله يكفيني جميع ما أهمني، * (لا إله إلا هو) * أي: لا معبود بحق سواه. * (عليه توكلت) * أي: اعتمدت، ووثقت به، في جلب ما ينفع، ودفع ما يضر، * (وهو رب العرش العظيم) * الذي هو أعظم المخلوقات. وإذا كان رب العرش العظيم، الذي وسع المخلوقات، كان ربا لما دونه من باب أولى، وأحرى. تم تفسير سورة التوبة بعون الله ومنه، فلله الحمد، أولا وآخرا، وظاهرا وباطنا. سورة يونس * (الر تلك آيات الكتاب الحكيم * أكان للناس عجبا أن أوحينآ إلى رجل منهم أن أنذر الناس وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم قال الكافرون إن ه ذا لساحر مبين) * يقول تعالى: * (الر تلك آيات الكتاب الحكيم) * وهو هذا القرآن، المشتمل على الحكمة والأحكام، الدالة آياته على الحقائق الإيمانية، والأوامر والنواهي الشرعية، الذي على جميع الأمة تلقيه بالرضا والقبول والانقياد. ومع هذا، فأعرض أكثرهم فهم لا يعلمون، فتعجبوا * (أن أوحينا إلى رجل منهم أن أنذر الناس) * عذاب الله، وخوفهم نقم الله، وذكرهم بآيات الله. * (وبشر الذين آمنوا) * إيمانا صادقا * (أن لهم قدم صدق عند ربهم) * أي: لهم جزاء موفور، وثواب مدخور عند ربهم، بما قدموه، وأسلفوه من الأعمال الصالحة الصادقة. فتعجب الكافرون من هذا الرجل العظيم تعجبا حملهم على الكفر به، * (قال الكافرون) * عنه: * (إن هذا لساحر مبين) * أي: بين السحر، لا يخفى بزعمهم على أحد، وهذا من سفههم وعنادهم، فإنهم تعجبوا من أمر، ليس مما يتعجب منه، ويستغرب، وإنما يتعجب من جهالتهم وعدم معرفتهم بمصالحهم. كيف لم يؤمنوا بهذا الرسول الكريم، الذي بعثه الله من أنفسهم، يعرفونه حق المعرفة، فردوا دعوته، وحرصوا على إبطال دينه، والله متمم نوره، ولو كره الكافرون. * (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون إليه مرجعكم جميعا وعد الله حقا إنه يبدأ الخلق ثم يعيده ليجزي الذين آمنوا وعملوا الصالحات بالقسط والذين كفروا لهم شراب من حميم وعذاب أليم بما كانوا يكفرون) * يقول تعالى مبينا لربوبيته، وإلهيته، وعظمته: * (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) * مع أنه قادر على خلقها في لحظة واحدة. ولكن لما له في ذلك من الحكمة الإلهية، ولأنه رفيق في أفعاله. ومن جملة حكمته فيها، أنه خلقها بالحق وللحق، ليعرف بأسمائه وصفاته ويفرد بالعبادة. * (ثم) * بعد خلق السماوات والأرض * (استوى عى العرش) * استواء يليق بعظمته. * (يدبر الأمر) * في العالم العلوي، والسفلي، من الإماتة والإحياء، وإنزل الأرزاق، ومداولة الأيام بين الناس، وكشف الضر عن المضرورين، وإجابة سؤال السائلين. فأنواع التدابير، نازلة منه، وصاعدة إليه، وجميع الخلق، مذعنون لعزته، خاضعون لعظمته وسلطانه. * (ما من شفيع إلا من بعد إذنه) * فلا يقدم أحد منهم على الشفاعة، ولو كان أفضل الخلق، حتى يأذن الله، ولا يأذن، إلا لمن ارتضى، ولا يرتضي إلا أهل الإخلاص والتوحيد له. * (ذلكم) * الذي هذا شأنه * (الله ربكم) * أي: هو الله الذي له وصف الإلهية الجامعة لصفات الكمال، ووصف الربوبية الجامعة لصفات الأفعال. * (فاعبدوه) * أي: أفردوه بجميع ما تقدرون عليه من أنواع العبودية. * (أفلا تذكرون) * الأدلة الدالة، على أنه وحده، المعبود المحمود، ذو الجلال والإكرام. فلما ذكر حكمه القدري، وهو التدبير العام، وحكمه الديني، وهو
(٣٥٧)