تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٦٠
إلي) * أي: ليس لي غير ذلك، فإني عبد مأمور. * (إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم) *، فهذا قول خير الخلق، وأدبه مع أوامر ربه ووحيه، فكيف بهؤلاء السفهاء الضالين، الذين جمعوا بين الجهل والضلال، والظلم والعناد، والتعنت والتعجيز لرب العالمين، أفلا يخافون عذاب يوم عظيم؟ فإن زعموا أن قصدهم، أن يتبين لهم الحق بالآيات، التي طلبوا فهم كذبة في ذلك، فإن الله قد بين من الآيات ما يؤمن على مثله البشر، وهو الذي يصرفها كيف يشاء، تبعا لحكمته الربانية، ورحمته بعباده. * (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به، فقد لبثت فيكم عمرا) * (طويلا) * (من قبله) * أي: قبل تلاوته، وقبل درايتكم به، وأنا ما خطر على بالي، ولا وقع في ظني. * (أفلا تعقلون) * أني، حيث لم أتله في مدة عمري، ولا صدر مني ما يدل على ذلك، فكيف أتقوله بعد ذلك، وقد لبثت فيكم عمرا طويلا، تعرفون حقيقة حالي، بأني أمي، لا أقرأ، ولا أكتب، ولا أدرس، ولا أتعلم من أحد؟ فأتيتكم بكتاب عظيم، أعجز الفصحاء، وأعيا العلماء، فهل يمكن مع هذا أن يكون من تلقاء نفسي، أم هذا دليل قاطع أنه تنزيل من حكيم حميد؟ فلو أعملتم أفكاركم وعقولكم، وتدبرتم حالي وحال هذا الكتاب، لجزمتم جزما لا يقبل الريب بصدقه، وأنه الحق الذي ليس بعده إلا الضلال، ولكن إذا أبيتم إلا التكذيب والعناد، فأنتم لا شك أنكم ظالمون. * (ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا، أو كذب بآياته) *؟ فلو كنت متقولا، لكنت أظلم الناس، وفاتني الفلاح، ولم تخف عليكم حالي، ولكني جئتكم بآيات الله، فكذبتم بها، فتعين فيكم الظلم، ولا بد أن أمركم سيضمحل، ولن تنالوا الفلاح، ما دمتم كذلك. ودل قوله: * (قال الذين لا يرجون لقاءنا) * الآية، أن الذي حملهم على هذا التعنت، الذي صدر منهم هو عدم إيمانهم بلقاء الله، وعدم رجائه، وأن من آمن بلقاء الله، فلا بد أن ينقاد لهذا الكتاب، ويؤمن به، لأنه حسن القصد. * (ويعبدون من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم ويقولون ه ؤلاء شفعاؤنا عند الله قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض سبحانه وتعالى عما يشركون) * يقول تعالى: * (ويعبدون) * أي: المشركون المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وسلم. * (من دون الله ما لا يضرهم ولا ينفعهم) * أي: إن معبوداتهم، لا تملك لهم مثقال ذرة، من النفع، ولا تدفع عنهم شيئا. * (ويقولون) * قولا خاليا من البرهان: * (هؤلاء شفعاؤنا عند الله) * أي: يعبدونهم، ليقربوهم إلى الله، ويشفعوا لهم عنده، وهذا قول من تلقاء أنفسهم، وكلام ابتكروه، هم، ولهذا قال تعالى مبطلا لهذا القول: * (قل أتنبئون الله بما لا يعلم في السماوات ولا في الأرض) *، أي: الله تعالى هو العالم، الذي أحاط علما بجميع ما في السماوات والأرض، وقد أخبركم بأنه ليس له شريك ولا إله معه، أفأنتم يا معشر المشركين تزعمون أنه يوجد له فيها شركاء؟، أفتخبرونه بأمر خفي عليه، وعلمتوه؟ أأنتم أعلم أم الله؟ فهل يوجد قول أبطل من هذا القول، المتضمن أن هؤلاء الضلال الجهال السفهاء، أعلم من رب العالمين؟ فليكتف العاقل بمجرد تصور هذا القول، فإنه يجزم بفساده وبطلانه: * (سبحانه وتعالى عما يشركون) * أي: تقدس وتنزه، أن يكون له شريك أو نظير، بل هو الله الأحد الفرد الصمد الذي لا إله في السماوات والأرض إلا هو، وكل معبود في العالم العلوي والسفلي سواه، فإنه باطل عقلا وشرعا وفطرة. * (ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل وأن الله هو العلي الكبير) *. * (وما كان الناس إلا أمة واحدة فاختلفوا ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم فيما فيه يختلفون * ويقولون لولا أنزل عليه آية من ربه فقل إنما الغيب لله فانتظروا إني معكم من المنتظرين) * أي: * (وما كان الناس إلا أمة واحدة) * متفقين على الدين الصحيح، ولكنهم اختلفوا، فبعث الله الرسل مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه. * (ولولا كلمة سبقت من ربك) * بإمهال العاصين، وعدم معاجلتهم بذنوبهم، * (لقضي بينهم) * بأن ننجي المؤمنين، ونهلك الكافرين المكذبين، وصار هذا فارقا بينهم * (فيما فيه يختلفون) *. ولكنه أراد امتحانهم، وابتلاء، بعضهم ببعض، ليتبين الصادق من الكاذب.
(٣٦٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 355 356 357 358 359 360 361 362 363 364 365 ... » »»