بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيهآ أبدا ذلك الفوز العظيم) * * (والسابقون الأولون) * هم الذين سبقوا هذه الأمة وبدروها للإيمان والهجرة، والجهاد، وإقامة دين الله. * (من المهاجرين) * (الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون) * (و) * من * (الأنصار) * الذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم، يحبون من هاجر إليهم، ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، ويؤثرون على أنفسهم، ولو كان بهم خصاصة. * (والذين اتبعوهم بإحسان) * بالاعتقادات، والأقوال والأعمال، فهؤلاء هم الذين سلموا من الذم، وحصل لهم نهاية المدح، وأفضل الكرامات من الله. * (رضي الله عنهم) * ورضاه تعالى أكبر من نعيم الجنة، * (ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار) * الجارية، التي تساق إلى سقي الجنان، والحدائق الزاهية الزاهرة، والرياض الفاخرة. * (خالدين فيها أبدا) * لا يبغون عنها حولا، ولا يطلبون منها بدلا، لأنهم مهما تمنوه، أدركوه، ومهما أرادوه، وجدوه. * (ذلك الفوز العظيم) * الذي حصل لهم فيه، كل محبوب للنفوس، ولذة للأرواح، ونعيم للقلوب، وشهوة للأبدان، واندفع عنهم كل محذور. * (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة مردوا على النفاق لا تعلمهم نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين ثم يردون إلى عذاب عظيم) * يقول تعالى: * (وممن حولكم من الأعراب منافقون ومن أهل المدينة) * أيضا منافقون * (مردوا على النفاق) * أي: تمرنوا عليه، وازدادوا فيه طغيانا. * (لا تعلمهم) * بأعيانهم، فتعاقبهم، أو تعاملهم بمقتضى نفاقهم، لما لله في ذلك من الحكمة الباهرة. * (نحن نعلمهم سنعذبهم مرتين) * يحتمل أن التثنية على بابها، وأن عذابهم عذاب في الدنيا، وعذاب في الآخرة. ففي الدنيا ما ينالهم من الهم والغم، والكراهة لما يصيب المؤمنين من الفتح والنصر. وفي الآخرة عذاب النار، وبئس القرار. ويحتمل أن المراد، سنغلظ عليهم العذاب، ونضاعفه عليهم، ونكرره. * (وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم إن الله غفور رحيم * خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها وصل عليهم إن صلواتك سكن لهم والله سميع عليم) * يقول تعالى: * (وآخرون) * ممن بالمدينة: ومن حولها، بل ومن سائر البلاد الإسلامية، * (اعترفوا بذنوبهم) * أي: أقروا بها، وندموا عليها، وسعوا في التوبة منها، والتطهر من أدرانها. * (خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا) *، ولا يكون العمل صالحا، إلا إذا كان مع العبد أصل التوحيد والإيمان، المخرج عن الكفر والشرك، الذي هو شرط لكل عمل صالح. فهؤلاء خلطوا الأعمال الصالحة، بالأعمال السيئة، من التجري على بعض المحرمات، والتقصير في بعض الواجبات، مع الاعتراف بذلك والرجاء بأن يغفر الله لهم، فهؤلاء * (عسى الله أن يتوب عليهم) * وتوبته على عبده نوعان: الأول: التوفيق للتوبة. والثاني: قبولها بعد وقوعها منهم. * (إن الله غفور رحيم) * أي: وصفه المغفرة والرحمة، اللتان لا يخلو مخلوق منهما. بل لا بقاء للعالم العلوي والسفلي إلا بهما، فلو يؤاخذ الله الناس بظلمهم، ما ترك عليها من دابة. * (إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده، إنه كان حليما غفورا) *. ومن مغفرته: أن المسرفين على أنفسهم، الذين قطعوا أعمارهم بالأعمال السيئة، إذا تابوا إليه وأنابوا، ولو قبيل موتهم بأقل القليل، فإنه يعفو عنهم، ويتجاوز عن سيئاتهم، فهذه الآية دالة على أن المخلط المعترف النادم، الذي لم يتب توبة نصوحا، أنه تحت الخوف والرجاء، وهو إلى السلامة أقرب. وأما المخلط الذي لم يعترف، ولم يندم على ما مضى منه، بل لا يزال مصرا على الذنوب، فإنه يخاف عليه أشد الخوف. قال تعالى لرسوله، ومن قام مقامه، آمرا له بما يطهر المؤمنين، ويتمم إيمانهم: * (خذ من أموالهم صدقة) * وهي الزكاة المفروضة، * (تطهرهم وتزكيهم بها) * أي: تطهرهم من الذنوب والأخلاق الرذيلة. * (وتزكيهم) * أي: تنميهم، وتزيد في أخلاقهم الحسنة، وأعمالهم الصالحة، وتزيد في ثوابهم الدنيوي والأخروي، وتنمي أموالهم. * (وصل عليهم) * أي: ادع لهم، أي: للمؤمنين عموما وخصوصا، عندما يدفعون إليك زكاة أموالهم. * (إن صلاتك سكن لهم) * أي: طمأنينة لقلوبهم، واستبشار لهم، * (والله سميع) * لدعائك، سمع إجابة وقبول. * (عليم) * بأحوال العباد ونياتهم، فيجازي كل عامل بعلمه، وعلى قدر نيته. فكان النبي صلى الله عليه وسلم يمتثل لأمر الله، ويأمرهم بالصدقة، ويبعث عماله لجبايتها، فإذا أتاه وأخذ صدقته، دعا له، وبرك. ففي هذه الآية، دلالة على وجوب الزكاة في جميع الأموال، وهذا إذا كانت للتجارة، ظاهرة، فإنها أموال
(٣٥٠)