أي: كافينا الله، فنرضى بما قسمه لنا. وليؤملوا فضله وإحسانه إليهم بأن يقولوا: * (سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنا إلى الله راغبون) * أي: متضرعون في جلب مافعنا، ودفع مضارنا. ثم بين تعالى كيفية قسمة الصدقات الواجبة فقال: * (إنما الصدقات) * إلى * (عليم حكيم) *. * (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم) * ويقول تعالى: * (إنما الصدقات) * أي: الزكوات الواجبة، بدليل أن الصدقة المستحبة لكل أحد، لا يخص بها أحد دون أحد. إنما الصدقات لهؤلاء المذكورين، دون من عداهم، لأنه حصرها فيهم، وهم ثمانية أصناف: الأول والثاني: الفقراء والمساكين، وهم في هذا الموضع، صنفان متفاوتان: فالفقير، أشد حاجة من المسكين، لأن الله بدأ بهم، ولا يبدأ إلا بالأهم فالأهم، ففسر الفقير، بأنه الذي لا يجد شيئا، أو يجد بعض كفايته دون نصفها. والمسكين: هو الذي يجد نصفها فأكثر، ولا يجد تمام كفايته، لأنه لو وجدها لكان غنيا، فيعطون من الزكاة، ما يزول به فقرهم ومسكنتهم. والثالث: العاملون على الزكاة، وهم: كل من له عمل وشغل فيها، من حافظ لها، وجاب لها من أهلها، أو راع، أو حامل لها، أو كاتب، أو نحو ذلك. فيعطون لأجل عمالتهم، وهي أجرة لأعمالهم فيها. والرابع: المؤلفة قلوبهم. والمؤلف قلبه هو: السيد المطاع في قومه، ممن يرجى إسلامه، أو يخشى شره أو يرجى بعطيته، قوة إيمانه، أو إسلام نظيره، أو جبايتها ممن لا يعطيها. فيعطى، ما يحصل به التأليف والمصلحة. والخامس: الرقاب، وهم المكاتبون الذين قد اشتروا أنفسهم من ساداتهم. فهم يسعون في تحصيل ما يفك رقابهم، فيعانون على ذلك من الزكاة. وفك الرقبة المسلمة التي في حبس الكفار، داخل في هذا، بل أولى. ويدخل في هذا، أنه يجوز أن يعتق الرقاب استقلالا، لدخوله في قوله: * (وفي الرقاب) *. والسادس: الغارمون، وهم قسمان: أحدهما: الغارمون لإصلاح ذات البيت، وهو أن يكون بين طائفتين من الناس، شر وفتنة، فيتوسط الرجل للإصلاح بينهم، بما يبذله لأحدهم أو لهم كلهم. فجعل له نصيب من الزكاة، ليكون أنشط له، وأقوى لعزمه، فيعطى، ولو كان غنيا. والثاني: من غرم لنفسه، ثم أعسر، فإنه يعطى ما يوفى به دينه. والسابع: الغازي في سبيل الله، وهم: الغزاة المتطوعة، الذين لا ديوان لهم. فيعطون من الزكاة، ما يعينهم على غزوهم، من ثمن سلاح، أو دابة، أو نفقة له ولعياله، ليتوفر على الجهاد، ويطمئن قلبه. وقال كثير من الفقهاء: إن تفرغ القادر على الكسب لطلب العلم، أعطى من الزكاة، لأن العلم داخل في الجهاد في سبيل الله. وقالوا أيضا: يجوز أن يطعى منها الفقير، لحج فرضه، وفيه نظر. والثامن: ابن السبيل، وهو: الغريب المنقطع به في غير بلده. فيعطى من الزكاة، ما يوصله إلى بلده. فهؤلاء الأصناف الثمانية، الذين تدفع إليهم الزكاة وحدهم * (فريضة من الله) * فرضها وقدرها، تابعة لعلمه وحكمه * (والله عليم حكيم) *. واعلم أن هذه الأصناف الثمانية، ترجع إلى أمرين: أحدهما: من يعطى لحاجته ونفعه، كالفقير، والمسكين، ونحوهما. والثاني: من يعطى للحاجة إليه، وانتفاع الإسلام به. فأوجب الله هذه الحصة، في أموال الأغنياء، لسد الحاجات الخاصة والعامة، للإسلام والمسلمين. فلو أعطى الأغنياء زكاة أموالهم، على الوجه الشرعي، لم يبق فقير من المسلمين. ولحصل من الأموال، ما يسد الثغور، ويجاهد به الكفار، وتحصل به جميع المصالح الدينية. * (ومنهم الذين يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للذين آمنوا منكم والذين يؤذون رسول الله لهم عذاب أليم يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحق أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ألم يعلموا أنه من يحادد الله ورسوله فأن له نار جهنم خالدا فيها ذلك الخزي العظيم) * أي: من هؤلاء المنافقين: * (الذين يؤذون النبي) * بالأقوال الردية، والعيب له ولدينه. * (ويقولون هو أذن) * أي: لا يبالون بما يقولون من الأذية للنبي. ويقولون: إذا بلغه عنا بعض ذلك، جئنا نعتذر إيه، فيقبل منا، لأنه أذن، أي: يقبل كل ما يقال له، لا يميز بين صادق وكاذب.
(٣٤١)