تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٤٤
بعضهم من بعض، ذكر أن المؤمنين، بعضهم أولياء بعض، ووصفهم بضد ما وصف به المنافقين فقال: * (والمؤمنون والمؤمنات) * أي: ذكورهم وإناثهم * (بعضهم أولياء بعض) * في المحبة والموالاة، والانتماء والنصرة. * (يأمرون بالمعروف) * وهو اسم جامع لكل ما عرف حسنه من العقائد الحسنة، والأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة، وأول من يدخل في أمرهم أنفسهم، * (وينهون عن المنكر) * وهو: كل ما خالف المعروف وناقضه من العقائد الباطلة، والأعمال الخبيثة، والأخلاق الرذيلة. * (ويطيعون الله ورسوله) * أي لا يزالون ملازمين لطاعة الله ورسوله على الدوام. * (أولئك سيرحمهم الله) * أي: يدخلهم في رحمته، ويشملهم بإحسانه. * (أن الله عزيز حكيم) * أي: قوي قاهر، ومع قوته، فهو حكيم، يضع كل شيء موضعه اللائق به الذي يحمد على ما خلقه وأمر به. ثم ذكر ما أعد الله لهم من الثواب فقال: * (وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار) * جامعة لكل نعيم وفرح، خالية من كل أذى وترح، تجري من تحت قصورها، ودورها، وأشجارها الأنهار الغزيرة، المروية للبساتين الأنيقة، التي لا يعلم ما فيها من الخيرات إلا الله تعالى. * (خالدين فيها) * لا يبغون عنها حولا * (ومساكن طيبة في جنات عدن) * قد زخرفت، وحسنت، وأعدت لعباد الله المتقين. قد طاب مرآها، وطاب منزلها ومقيلها، وجمعت من آلات المساكن العالية ما لا يتمنى فوقه المتمنون، حتى إن الله تعالى قد أعد لهم غرفا في غاية الصفاء والحسن، يرى ظاهرها من باطنها، وباطنها من ظاهرها. فهذه المساكن الأنيقة، التي حقيق بأن تسكن إليها النفوس، وتنزع إليها القلوب، وتشتاق لها الأرواح، لأنها في جنات عدن، أي: إقامة لا يظعنون عنها، ولا يتحولون منها. * (ورضوان من الله) * يحله على أهل الجنة * (أكبر) * مما هم فيه من النعيم. فإن نعيمهم لم يطب، إلا برؤية ربهم، ورضوانه عليهم، ولأنه الغاية التي أمها العابدون، والنهاية التي سعى نحوها المحبون، فرضا رب الأرض والسماوات أكبر من نعيم الجنات. * (ذلك هو الفوز العظيم) * حيث حصلوا على كل مطلوب، وانتفى عنهم كل محذور، وحسنت وطابت منهم جميع الأمور، فنسأل الله أن يجعلنا معهم بجوده. * (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله فإن يتوبوا يك خيرا لهم وإن يتولوا يعذبهم الله عذابا أليما في الدنيا والآخرة وما لهم في الأرض من ولي ولا نصير) * يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين) * أي: بالغ في جهادهم * (واغلظ عليهم) * حيث اقتضت الحال الغلظة عليهم. وهذا الجهاد يدخل فيه الجهاد باليد، والجهاد بالحجة واللسان، فمن بارز منهم بالمحاربة فيجاهد باليد، واللسان، والسيف، والسنان. ومن كان مذعنا للإسلام، بذمة أو عهد، فإنه يجاهد بالحجة والبرهان ويبين له محاسن الإسلام، ومساوىء الشرك والكفران، فهذا ما لهم في الدنيا. * (و) * أما في الآخرة، فإن * (مأواهم جهنم) * أي: مقرهم الذي لا يخرجون منه * (وبئس المصير) *. * (يحلفون بالله ما قالوا ولقد قالوا كلمة الكفر) * أي: إذا قالوا قولا كقول من قال منهم (ليخرجن الأعز منها الأذل) والكلام الذي يتكلم به الواحد بعد الواحد، في الاستهزاء بالدين، وبالرسول. فإذا بلغهم أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد بلغه شيء من ذلك، جاءوا إليه يحلفون بالله، ما قالوا. قال تعالى مكذبا لهم: * (ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم) *. فإسلامهم السابق وإن كان ظاهره أنه أخرجهم من دائرة الكفر فكلامهم الأخير ينقض إسلامهم، ويدخلهم بالكفر. * (وهموا بما لم ينالوا) * وذلك حين هموا بالفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فقص الله عليه نبأهم، فأمر من يصدهم عن قصدهم. * (و) * الحال أنهم * (ما نقموا) * وعابوا من رسول الله صلى الله عليه وسلم * (إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) * بعد أن كانوا فقراء معوزين. وهذا من أعجب الأشياء، أن يستهينوا بمن كان سببا لإخراجهم من الظلمات إلى النور، ومغنيا لهم بعد الفقر. وهل حقه عليهم إلا أن يعظموه ويؤمنوا به ويجلوه؟
(٣٤٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 339 340 341 342 343 344 345 346 347 348 349 ... » »»