* (لا تحزن إن الله معنا) * بعونه ونصره وتأييده. * (فأنزل الله سكينته عليه) * أي: الثبات والطمأنينة، والسكون المثبتة للفؤاد، ولهذا لما قلق صاحبه سكنه و * (قال لا تحزن إن الله معنا) *. * (وأيده بجنود لم تروها) * وهي الملائكة الكرام، الذين جعلهم الله حرسا له، * (وجعل كلمة الذين كفروا السفلى) * أي: الساقطة المخذولة، فإن الذين كفروا، كانوا على حرد قادرين، في ظنهم أنهم يقدرون على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم، وأخذه، حنقين عليه، فعملوا غاية مجهودهم في ذلك، فخذلهم الله، ولم يتم لهم مقصودهم، بل ولا أدركوا شيئا منه. ونصر الله رسوله، بدفعه عنه، وهذا هو النصر المذكور في هذا الموضع. فإن النصر على قسمين: نصر المسلمين إذا طمعوا في عدوهم، بأن يتم الله لهم ما طلبوا، وقصدوا، ويستولوا على عدوهم، ويظهروا عليهم. والثاني: نصر المستضعف، الذين طمع فيه عدوه القادر، فنصر الله إياه، أن يرد عنه عدوه، ويدافع عنه، ولعل هذا النصر أنفع النصرين، ونصر الله رسوله إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين من هذا النوع. وقوله: * (وكلمة الله هي العليا) * أي كلماته القدرية، وكلماته الدينية، هي العالية على كلمة غيره، التي من جملتها قوله: * (وكان حقا علينا نصر المؤمنين) *، * (إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد) *، * (وإن جندنا لهم الغالبون) *، فدين الله هو الظاهر العالي، على سائر الأديان، بالحجج الواضحة، والآيات الباهرة والسلطان الناصر. * (والله عزيز) * لا يغالبه مغالب، ولا يفوته هارب. * (حكيم) * يضع الأشياء مواضعها، وقد يؤخر نصر حزبه إلى وقت آخر، اقتضته الحكمة الإلهية. وفي هذه الآية الكريمة، فضيلة أبي بكر الصديق، بخصيصة لم تكن لغيره من هذه الأمة، وهي الفوز بهذه المنقبة الجليلة، والصحبة الجميلة. وقد أجمع المسلمون على أنه هو المراد بهذه الآية الكريمة، ولهذا عدوا من أنكر صحبة أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم، كافرا لأنه منكر للقرآن الذي صرح بها. وفيها فضيلة السكينة، وأنها من تمام نعمة الله على العبد، في أوقات الشدائد والمخاوف، التي تطيش لها الأفئدة، وأنها تكون على حسب معرفة العبد بربه، وثقته بوعده الصادق، وبحسب إيمانه وشجاعته. وفيها: أن الحزن قد يعرض لخواص عباده الصديقين، مع أن الأولى إذا نزل بالعبد أن يسعى في ذهابه عنه، فإنه مضعف للقلب، موهن للعزيمة. * (انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون * لو كان عرضا قريبا وسفرا قاصدا لاتبعوك ول كن بعدت عليهم الشقة وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم يهلكون أنفسهم والله يعلم إنهم لكاذبون) * يقول تعالى لعباده المؤمنين مهيجا لهم على النفير في سبيله: * (انفروا خفافا وثقالا) * في العسر واليسر، والمنشط والمكره، والحر والبرد، وفي جميع الأحوال. * (وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله) * أي: ابذلوا جهدكم في ذلك، واستفرغوا وسعكم في المال والنفس، وفي هذا دليل على أنه كما يجب الجهاد في النفس يجب في المال، حيث اقتضت الحاجة، ودعت لذلك. ثم قال: * (ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون) * أي: الجهاد في النفس والمال، خير لكم من التقاعد عن ذلك، لأن فيه رضا الله تعالى، والفوز بالدرجات العاليات عنده، والنصر لدين الله، والدخول جملة جنده وحزبه. * (لو كان) * خروجهم * (عرضا قريبا) * أي: لطلب عرض قريب، ومنفعة دنيوية، سهلة التناول * (و) * كان السفر * (سفرا قاصدا) * أي: قريبا سهلا. * (لاتبعوك) * لعدم المشقة الكثيرة، * (ولكن بعدت عليهم الشقة) * أي: طالت عليهم المسافة، وصعبت عليهم السفر، فلذلك تثاقلوا عنك، وليس هذا من أمارات العبودية، بل العبد حقيقة، هو المتعبد لربه في كل حال، القائم بالعبادة السهلة والشاقة، فهذا العبد لله على كل حال. * (وسيحلفون بالله لو استطعنا لخرجنا معكم) * أي: سيحلفون لتخلفهم عن الخروج، أن لهم عذرا، وأنهم لا يستطيعون ذلك. * (يهلكون أنفسهم) * بالقعود والكذب والإخبار بغير الواقع، * (والله يعلم إنهم لكاذبون) *. وهذا العتاب، إنما هو للمنافقين، الذين تخلفوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في (غزوة تبوك) وأبدوا من الأعذار الكاذبة ما أبدوا، فعفا النبي صلى الله عليه وسلم عنهم بمجرد اعتذارهم، من غير أن يمتحنهم، فيتبين له الصادق من الكاذب، ولهذا عاتبه الله على هذه المسارعة إلى قبول اعتذارهم فقال: * (عفا الله عنك) * إلى قوله: * (في ريبهم يترددون) *. * (عفا الله عنك لم أذنت لهم حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين لا يستأذنك الذين يؤمنون بالله واليوم الآخر أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم والله عليم بالمتقين إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم فهم في ريبهم يترددون) * يقول تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: * (عفا الله عنك) * أي: سامحك، وغفر لك ما أجريت. * (لم أذنت لهم) * في التخلف * (حتى يتبين لك الذين صدقوا وتعلم الكاذبين) *، بأن تمتحنهم، ليتبين لك الصادق من الكاذب، فتعذر من يستحق العذر، ممن لا يستحق ذلك. ثم أخبر أن المؤمنين بالله واليوم الآخر، لا يستأذنون في ترك الجهاد، بأموالهم وأنفسهم، لأن ما معهم من الرغبة في الخير والإيمان، يحملهم على الجهاد من غير أن يحثهم عليه حاث،
(٣٣٨)