فإخوانكم في الدين ونفصل الآيات لقوم يعلمون) * أي: * (كيف) * يكون للمشركين عند الله عهد وميثاق * (و) * الحال أنهم * (إن يظهروا عليكم) * بالقدرة والسلطة، لا يرحموكم، و * (لا يرقبوا فيكم إلا ولا ذمة) * أي: لا ذمة ولا قرابة، ولا يخافون الله فيكم، بل يسومونكم سوء العذاب، فهذه حالكم معهم لو ظهروا. ولا يغرنكم منهم ما يعاملونكم به وقت الخوف منكم، فإنهم * (يرضونكم بأفواههم وتأبى قلوبهم) * الميل والمحبة لكم، بل هم الأعداء حقا، المبغضون لكم صدقا، * (وأكثرهم فاسقون) * لا ديانة لهم، ولا مروءة. * (اشتروا بآيات الله ثمنا قليلا) * أي: اختاروا الحظ العاجل الخسيس في الدنيا، على الإيمان بالله، ورسوله، والانقياد لآيات الله. * (فصدوا) * بأنفسهم، وصدوا غيرهم * (عن سبيله، إنهم ساء ما كانوا يعملون) *. * (لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة) * أي: لأجل عداوتهم للإيمان وأهله. فالوصف الذي جعلهم يعادونكم لأجله ويبغضونكم هو الإيمان، فذبوا عن دينكم، وانصروه واتخذوا من عاداه عدوا، ومن نصره لكم وليا، واجعلوا الحكم يدور معه، وجودا وعدما، لا تجعلوا الولاية والعداوة، طبعية تميلون بها، حيثما مال الهوى، وتتبعون فيها النفس الأمارة بالسوء، ولهذا: * (فإن تابوا) * عن شركهم، ورجعوا إلى الإيمان * (وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين) * وتناسوا تلك العداوة إذ كانوا مشركين، لتكونوا عباد الله المخلصين، وبهذا يكون العبد عبدا حقيقة. لما بين من أحكامه العظيمة ما بين، ووضح منها ما وضح، أحكاما وحكما، وحكما، وحكمة قال: * (ونفصل الآيات) * أي: نوضحها ونميزها * (لقوم يعلمون) * فإليهم سياق الكلام، وبهم تعرف الآيات والأحكام، وبهم عرف دين الإسلام، وشرائع الدين. اللهم اجعلنا من القوم الذين يعلمون، ويعملون بما يعلمون، برحمتك وجودك، وكرمك وإحسانك، يا رب العالمين. * (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون * ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول وهم بدءوكم أول مرة أتخشونهم فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين * قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم ويخزهم وينصركم عليهم ويشف صدور قوم مؤمنين * ويذهب غيظ قلوبهم ويتوب الله على من يشاء والله عليم حكيم) * يقول تعالى: بعدما ذكر أن المعاهدين من المشركين إن استقاموا على عهدهم فاستقيموا لهم على الوفاء: * (وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم) * أي: نقضوها وحلوها، أو أعانوا على قتالكم، أو نقصوكم، * (وطعنوا في دينكم) * أي: عابوه، وسخروا منه. ويدخل في هذا جميع أنواع الطعن الموجهة إلى الدين، أو إلى القرآن. * (فقاتلوا أئمة الكفر) * أي: القادة فيه، الرؤساء الطاعنين في دين الرحمن، الناصرين لدين الشيطان، وخصهم بالذكر لعظم جنايتهم، ولأن غيرهم تبع. وليدل على أن من طعن في الدين وتصدى للرد عليه، فإنه من أئمة الكفر. * (إنهم لا أيمان لهم) * أي: لا عهود، ولا مواثيق، يلازمون على الوفاء بها، بل لا يزالون خائنين، ناكثين للعهد، لا يوثق منهم. * (لعلهم) * في قتالهم إياهم * (ينتهون) * عن الطعن في دينكم، وربما دخلوا فيه، ثم حث على قتالهم، وهيج المؤمنين بذكر الأوصاف، التي صدرت من هؤلاء الأعداء، والتي هم موصوفون بها، المقتضية لقتالهم فقال: * (ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول) * الذي يجب احترامه، وتوقيره، وتعظيمه؟ وهموا أن يجلوه ويخرجوه من وطنه، وسعوا في ذلك ما أمكنهم، * (وهم يدأوكم أول مرة) * حيث نقضوا العهد، وأعانوا عليكم، وذلك حيث أعانت قريش وهم معاهدون بني بكر حلفاءهم، على خزاعة، حلفاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقاتلوا معهم كما هو مذكور مبسوط في السيرة. * (أتخشونهم) * في ترك قتالهم * (فالله أحق أن تخشوه إن كنتم مؤمنين) *. فالله أمركم بقتالهم، وأكد ذلك عليكم غاية التأكيد. فإن كنتم مؤمنين، فامتثلوا لأمر الله، ولا تخشوهم، فتتركوا أمر الله. ثم أمر بقتالهم وذكر ما يترتب على قتالهم من
(٣٣٠)