فضلا عن كونهم يستأذنون في تركه من غير عذر. * (والله عليم بالمتقين) *، أنه أخبر، أن من علاماتهم أنهم لا يستأذنون في ترك الجهاد. * (إنما يستأذنك الذين لا يؤمنون بالله واليوم الآخر وارتابت قلوبهم) * أي: ليس لهم إيمان تام، ولا يقين صادق، فلذلك قلت رغبتهم في الخير، وجبنوا عن القتال، واحتاجوا أن يستأذنوا في ترك القتال. * (فهم في ريبهم يترددون) * أي: لا يزالون في الشك والحيرة. * (ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة ول كن كره الله انبعاثهم فثبطهم وقيل اقعدوا مع القاعدين * لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين * لقد ابتغوا الفتنة من قبل وقلبوا لك الأمور حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون * ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) * يقول تعالى مبينا أن المتخلفين من المنافقين قد ظهر منهم من القرائن ما يبين أنهم ما قصدوا الخروج بالكلية، وأن أعذارهم التي اعتذروها باطلة، فإن العذر هو المانع الذي يمنع، إذا بذل العبد وسعه، وسعى في أسباب الخروج، ثم منعه مانع شراعي، فهذا الذي يعذر. * (و) * أما هؤلاء المنافقون * (لو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة) * أي: لاستعدوا وعملوا ما يمكنهم من الأسباب، ولكن لما لم يعدوا له عدة، علم أنهم ما أرادوا الخروج. * (ولكن كره الله انبعاثهم) * معكم في الخروج للغزو * (فثبطهم) * قدرا وقضاء، وإن كان قد أمرهم، وحثهم على الخروج، وجعلهم مقتدرين عليه، ولكن بحكمته ما أراد إعانتهم، بل خذلهم وثبطهم * (وقيل اقعدوا مع القاعدين) * من النساء والمعذورين. ثم ذكر الحكمة في ذلك فقال: * (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا) * أي: نقصا. * (ولأوضعوا خلالكم) * أي: ولسعوا في الفتنة والشر بينكم، وفرقوا جماعتكم المجتمعين. * (يبغونكم الفتنة) * أي: هم حريصون على فتنتكم، وإلقاء العداوة بينكم. * (وفيكم) * أناس ضعفاء العقول * (سماعون لهم) * أي: مستجيبون لدعوتهم، يغترون بهم. فإذا كانوا حريصين على خذلانهم، وإلقاء الشر بينكم، وتثبيطكم عن أعدائكم، وفيكم من يقبل منهم، ويستنصحهم. فما ظنك بالشر الحاصل من خروجهم مع المؤمنين، والنقص الكثير منهم؟ فلله ما أتم الحكمة حيث ثبطهم، ومنعهم من الخروج مع عبادة المؤمنين رحمة بهم، ولطفا من أن يداخلهم، ما لا ينفعهم، بل يضرهم. * (والله عليم بالظالمين) * فيعلم عباده كيف يحذرونهم، ويبين لهم من المفاسد النائة من مخالطتهم. ثم ذكر أنه قد سبق لهم سوابق في الشر فقال: * (لقد ابتغوا الفتنة من قبل) * أي: حين هاجرتم إلى المدينة، فبذلوا الجهد. * (وقلبوا لك الأمور) * أي: أداروا الأفكار، وأعملوا الحيل، في إبطال دعوتكم، وخذلان دينكم، ولم يقصروا في ذلك. * (حتى جاء الحق وظهر أمر الله وهم كارهون) * فبطل كيدهم واضمحل باطلهم. فحقيق بمثل هؤلاء، أن يحذر الله عباده المؤمنين منهم، وأن لا يبالي المؤمنون، بتخلفهم عنهم. أي: ومن ؤهلاء المنافقين، من يستأذن في التخلف، ويعتذر بعذر آخر عجيب. فيقول: * (ائذن لي) * في التخلف * (ولا تفتني) * في الخروج. فإني إذا خرجت، فرأيت نساء من بني الأصفر، لا أصبر عنهن، كما قال ذلك (الجد بن قيس). ومقصوده في قلبه قبح الله الرياء والنفاق ويعبر بلسانه بأن مقصودي مقصود حسن، فإن في خروجي فتنة وتعرضا للشر، وفي عدم خروجي، عافية، وكفا عن الشر. قال الله تعالى مبينا كذب هذا القول: * (ألا في الفتنة سقطوا) *. فإنه على تقدير صدق هذا القائل في قصده، فإن في التخلف مفسدة كبرى، وفتنة عظمى، محققة، وهي: معصية الله ومعصية رسوله، والتجري على الإثم الكبير، والوزر العظيم. وأما الخروج، فمفسدة قليلة بالنسبة للتخلف، وهي متوهمة. مع أن هذا القائل قصده التخلف لا ير، ولهذا توعدهم الله بقوله: * (وإن جهنم لمحيطة بالكافرين) * لي لهم عنها مفر ولا مناص، ولا فكاك، ولا خلاص. * (إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ويتولوا وهم فرحون قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكل المؤمنون) * يقول تعالى مبينا أن المنافقين، هم الأعداء حقا، المبغضون للدين صرفا: * (إن تصبك مصيبة) * كإدالة العدو عليك * (يقولوا) * متبجحين بسلامتهم من الحضور معك. * (قد أخذنا أمرنا من قبل) * أي: قد حذرنا وعملنا، بما ينجينا من الوقوع في مثل هذه المصيبة. * (ويتولوا وهم فرحون) * بمصيبتك، وبعدم مشاركتهم إياك فيها. قال تعال رادا عليهم في ذلك: * (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا) * أي: ما قدره وأجراه في اللوح المحفوظ. * (هو مولانا) * أي: متولي أمورنا الدينية والدنيوية، فعلينا الرضا بأقداره، وليس في أيدينا من الأمر شيء. * (وعلى الله) * وحده * (فليتوكل المؤمنون) * أي: ليعتمدوا عليه، في جلب مصالحهم، ودفع المضار عنهم، وليثقوا به في تحصيل مطلوبهم، فلا خاب من توكل عليه. وأما من توكل على غيره، قإنه مخذول، غير مدرك لما أمل. * (قل هل تربصون بنا إلا
(٣٣٩)