ويصدون الناس عن سبيل الله، فيكون أخذهم لها على هذا الوجه سحتا وظلما، فإن الناس ما بذلوا لهم من أموالهم، إلا ليدلوهم على الطريق المستقيم. ومن أخذهم لأموال الناس بغير حق، أن يعطوهم ليفتوهم، أو يحكموا لهم بغير ما أنزل الله. فهؤلاء الأحبار والرهبان، ليحذر منهم هاتان الحالتان: أخذهم لأموال الناس بغير حق، وصدهم الناس عن سبيل الله. * (والذين يكنزون الذهب والفضة) * أي: يمسكونها * (ولا ينفقونها في سبيل الله) * أي: طرق الخير الموصلة إلى الله، وهذا هو الكنز المحرم، أن يمسكها عن النفقة الواجبة، كأن يمنع منها الزكاة أو النفقات الواجبة للزوجات، أو الأقارب، أو النفقة في سبيل الله إذا وجبت. * (فبشرهم بعذاب أليم) *. ثم فسره بقوله: * (يوم يحمى عليها) * أي: على أموالهم، * (في نار جهنم) * فيحمى كل دينار أو درهم على حدته. * (فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم) * في يوم القيامة كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، ويقال لهم توبيخا ولوما: * (هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون) * فما ظلمكم ولكنكم ظلمتم أنفسكم، وعذبتموها بهذا الكنز. وذكر الله في هاتين الآيتين، وانحراف الإنسان في ماله، وذلك بأحد أمرين: إما أن ينفقه في الباطل، الذي لا يجدي عليه نفعا، بل لا يناله منه إلا الضرر المحض، وذلك كإخراج الأموال في المعاصي والشهوات التي لا تعين على طاعة الله، وإخراجها للصد عن سبيل الله. وإما أن يمسك ماله عن إخراجه في الواجبات، و (النهي عن الشيء، أمر بضده). * (إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم ذلك الدين القيم فلا تظلموا فيهن أنفسكم وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين) * يقول تعالى: * (إن عدة الشهور عند الله) * أي: في قضاء الله وقدره * (اثنا عشر شهرا) * وهي هذه الشهور المعروفة * (في كتاب الله) * أي في حكمه القدري، * (يوم خلق السماوات والأرض) * وأجرى ليلها ونهارها، وقدر أوقاتها فقسمها على هذه الشهور الاثني عشر شهرا. * (منها أربعة حرم) * وهي: رجب الفرد، وذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، وسميت حرما، لزيادة حرمتها، وتحريم القتال فيها. * (فلا تظلموا فيهن أنفسكم) * يحتمل أن الضمير يعود إلى الاثني عشر شهرا، وأن الله تعالى، بين أنه جعلها مقادير للعباد، وأن تعمر بطاعته، ويشكر الله تعالى على منته بها، وتقييضها لصالح العباد، فلتحذروا من ظلم أنفسكم فيها. ويحتمل أن الضمير يعود إلى الأربعة الحرم، وأن هذا نهي لهم عن الظلم فيها، خصوصا مع النهي عن الظلم كل وقت، لزيادة تحريمها، وكون الظلم فيها أشد منه في غيرها. ومن ذلك، النهي عن القتال فيها، على قول من قال: إن القتال في الأشهر الحرم لم ينسخ تحريمه عملا بالنصوص العامة في تحريم القتال فيها. ومنهم من قال: إن تحريم القتال فيها منسوخ، أخذا بعموم نحو قوله تعالى: * (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة) * أي: قاتلوا جميع أنواع المشركين، والكافرين برب العالمين. ولا تخصوا أحدا منهم بالقتال دون أحد، بل اجعلوهم كلهم لكم أعداء كما كانوا هم معكم كذلك، قد اتخذوا أهل الإيمان أعداء لهم، لا يألونهم من الشر شيئا. ويحتمل أن * (كافة) * حال من الواو فيكون معنى هذا: وقاتلوا جميعكم المشركين، فيكون فيها وجوب النفير، على جميع المؤمنين. وقد نسخت على هذا الاحتمال بقوله: * (وما كان المؤمنون لينفروا كافة) * الآية. * (واعلموا أن الله مع المتقين) * بعونه، ونصره، وتأييده. فلتحرصوا على استعمال تقوى الله، في سركم، وعلنكم، والقيام بطاعته، خصوصا عند قتال الكفار، فإنه في هذه الحال، ربما ترك المؤمن العمل بالتقوى في معاملة الكفار الأعداء المحاربين. * (إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاما ويحرمونه عاما ليواطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله زين لهم سوء أعمالهم والله لا يهدي القوم الكافرين) * النسيء هو: ما كان أهل الجاهلية يستعملونه في الأشهر الحرم، وكان من جملة بدعهم الباطلة، أنهم لما رأوا احتياجهم للقتال، في بعض أوقات الأشهر الحرم، رأوا بآرائهم الفاسدة أن يحافظوا على عدة الأشهر الحرم، التي حرم الله القتال فيها، وأن يؤخروا بعض الأشهر الحرم، أو يقدموه، ويجعلوا مكانه من أشهر الحل ما أرادوا. فإذا جعلوه مكانه، أحلوا
(٣٣٦)