إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم أن يصيبكم الله بعذاب من عنده أو بأيدينا فتربصوا إنا معكم متربصون) * أي: قل للمنافقين، الذين يتربصون بكم الدوائر: أي شيء تربصون بنا؟ فإنكم لا تربصون بنا، إلا أمرا، فيه غاية نفعنا، وهو إحدى الحسنيين. إما الظفر بالأعداء، والنصر عليهم، ونيل الثواب الأخروي والدنيوي. وإما الشهادة التي هي من أعلى درجات الخلق، وأرفع المنازل عند الله. وأما تربصنا بكم يا معشر المنافقين فنحن نتربص بكم، أن يصيبكم الله بعذاب من عنده، لا سبب لنا فيه، أو بأيدينا، بأن يسلطنا عليكم فنقتلكم. * (فتربصوا) * بنا الخير * (إنا معكم متربصون) * بكم الشر. * (قل أنفقوا طوعا أو كرها لن يتقبل منكم إنكم كنتم قوما فاسقين * وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا ينفقون إلا وهم كارهون) * يقول تعالى مبينا بطلان نفقات المانفقين، وذاكرا السبب في ذلك: * (قل) * (لهم) * (أنفقوا طوعا) * (من أنفسكم) * (أو كرها) * على ذلك، بغير اختياركم. * (لن يتقبل منكم) * شيء من أعمالكم * (إنكم كنتم قوما فاسقين) * خارجين عن طاعة الله. ثم بين صفة فسقهم وأعمالهم بقوله: * (وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله) * والأعمال كلها، شرط قبولها، الإيمان، فهؤلاء، لا إيمان لهم، ولا عمل صالح. حتى إن الصلاة، التي هي أفضل أعمال البدن، إذا قاموا إليها، قاموا كسالى، وقد بين الله ذلك فقال: * (ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى) * أي: متثاقلون، لا يكادون يفعلونها، من ثقلها عليهم. * (ولا ينفقون إلا وهم كارهون) * من غير انشراح الصدر، وثبات نفس. ففي هذا، غاية الذم، لمن فعل مثل فعهم. وأنه ينبغي للعبد، أن لا يأتي الصلاة، إلا وهو نشيط البدن، والقلب إليها. ولا ينفق، إلا وهو منشرح الصدر، ثابت القلب، يرجو ذخرها وثوابها من الله وحده، ولا يتشبه بالمنافقين. * (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون * ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ول كنهم قوم يفرقون * لو يجدون ملجئا أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون) * يقول تعالى: فلا تعجبك أموال هؤلاء المنافقين ولا أولادهم، فإنه لا غبطة فيها. وأول بركاتها عليهم، أن قدموها على مراضى ربهم، وعصوا الله لأجلها: * (إنما يريد الله ليعذبهم بها في الحياة الدنيا) *. والمراد بالعذاب هنا، ما ينالهم من المشقة في تحصيلها، والسعي الشديد فيذلك، وهم القلب فيها، وتعب البدن. فلو قابلت لذاتهم فيها بمشقاتهم، لم يكن لها نسبة إليها، فهي لما ألهتم عن الله وذكره صارت وبالا عليهم، حتى في الدنيا. ومن وبالها العظيم الخطر، أن قلوبهم تتعلق بها، وإرادتهم لا تتعداها فتكون منتهى مطلوبهم، وغاية مرغوبهم ولا يبقى في قلوبهم للآخرة نصيب، فيوجب ذلك، أن ينتقلوا من الدنيا * (وتزهق أنفسهم وهم كافرون) *. فأي: عقوبة أعظم من هذه العقوبة، الموجبة للشقاء الدائم، والحسرة الملازمة. * (ويحلفون بالله إنهم لمنكم، وما هم منكم ولكنهم) * قصدهم في حلفهم هذا أنهم * (قوم يفرقون) * أي: يخافون الدوائر، وليس في قلوبهم شجاعة تحملهم على أن يبينوا أحوالهم. فيخافون إن أظهروا حالهم منكم، ويخافون أن تتبرأوا منهم، فيتخطفهم الناس من كل جانب. وأما حال قوى القلب، ثابت الجنان، فإنه يحمله ذلك، على بيان حاله، حسنة كانت أو سيئة. ولكن المنافقين خلع عليهم خلعة الجبن، وحلوا بحلية الكذب. ثم ذكر شدة جبنهم فقال: * (لو يجدون ملجأ) * يلجأون إليه عندما تنزل بهم الشدائد. * (أو مغارات) * يدخلونها، فيستقرون فيها * (أو مدخلا) * أي: محلا يدخلونه فيتحصنون فيه * (لولوا إليه وهم يجمحون) * أي: يسرعون ويهرعون. فليس لهم ملكة، يقتدرون بها على الثبات. * (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون * ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنآ إلى الله راغبون) * أي: ومن هؤلاء المافقين، من يعيبك في قسمة الصدقات، وينتقد عليك فيها. وليس انتقادهم فيها وعيبهم، لقصد صحيح، ولا لرأي رجيح، وإنم مقصودهم أن يعطوا منها. * (فإن أعطوا منها رضوا، وإن لم يعطوا منها، إذا هم يسخطون) * وهذه حالة، لا ينبغي للعبد أن يكون رضاه وغضبه، تابعا لهوى نفسه الدنيوي، وغرضه الفاسد. بل الذي ينبغي، أن يكون لمرضاة ربه، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به). وقال هنا: * (ولو أنهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله) * أي: أعطاهم من قليل وكثير. * (وقالوا حسبنا الله) *
(٣٤٠)