تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٥١
تنمى ويكتسب بها، فمن العدل أن يواسى منها الفقراء، بأداء ما أوجب الله فيها من الزكاة. وما عدا أموال التجارة، فإن كان المال ينمى، كالحبوب، والثمار، والماشية المتخذة للنماء، والدر، والنسل، فإنه تجب فيها الزكاة، وإلا لم تجب فيها، لأنها إذا كانت للقنية، لم تكن بمنزلة الأموال التي يتخذها الإنسان في العادة، ما لا يتمول، ويطلب منه المقاصد المالية، وإنما صرف عن المالية بالقنية ونحوها. وفيها: أن العبد لا يمكنه أن يتطهر ويتزكى، حتى يخرج زكاة ماله، وأنه لا يكفرها شيء سوى أدائها، لأن الزكاة والتطهير، متوقف على إخراجها. وفيها: استحباب الدعاء من الإمام أو نائبه، لمن أدى زكاته بالبركة، وإن ذلك ينبغي أن يكون جهرا، بحيث يسمعه المتصدق، فيسكن إليه. ويؤخذ من المعنى، أنه ينبغي إدخال السرور على المؤمن، بالكلام اللين، والدعاء له، ونحو ذلك مما يكون فيه طمأنينة، وسكون لقلبه. * (ألم يعلموا أن الله هو يقبل التوبة عن عباده ويأخذ الصدقات وأن الله هو التواب الرحيم) * أي: أما علموا سعة رحمة الله، وعموم كرمه وأنه * (يقبل التوبة عن عباده) * التائبين من أي ذنب كان، بل يفرح تعالى بتوبة عبده إذا تاب، أعظم فرح يقدر. * (ويأخذ الصدقات) * منهم أي يقبلها، ويأخذها بيمينه، فيربيها لأحدهم كما يربي الرجل فلوه، حتى تكن التمرة الواحدة كالجبل العظيم، فكيف بما هو أكبر وأكثر من ذلك. * (وأن الله هو التواب الرحيم) * أي: كثير التوبة على التائبين، فمن تاب إليه، تاب عليه، ولو تكررت منه المعصية مرارا. ولا يمل الله من التوبة على عباده، حتى يملوا هم، ويأبوا إلا النفار والشرود عن بابه، وموالاتهم عدوهم. * (الرحيم) * الذي وسعت رحمته كل شيء، وكتبها للذين يتقون، ويؤتون الزكاة، ويؤمنون بآياته، ويتبعون رسوله. * (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) * يقول تعالى: * (وقل) * لهؤلاء المنافقين: * (اعملوا) * ما ترون من الأعمال، واستمروا على باطلكم، فلا تحسبوا أن ذلك سيخفى. * (فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون) * أي: لا بد أن يتبين عملكم ويتضح، * (وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون) * من خير وشر. ففي هذا التهديد والوعيد الشديد على من استمر على باطله وطغيانه، وغيه وعصيانه. ويحتمل أن المعنى: أنكم مهما عملتم من خير وشر، فإن الله مطلع عليكم، وسيطلع رسوله وعباده المؤمنين، على أعمالكم، ولو كانت باطنة. * (وآخرون مرجون لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم والله عليم حكيم) * أي: * (وآخرون) * من المخلفين * (مرجون) * أي: مؤخرون * (لأمر الله إما يعذبهم وإما يتوب عليهم) * ففي هذا، التخويف الشديد للمتخلفين، والحث لهم على التوبة والندم. * (والله عليم حكيم) * يضع الأشياء مواضعها، وينزلها منازلها، فإن اقتضت حكمته، أن يخذلهم ولا يوفقهم للتوبة، فعل ذلك. * (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا وكفرا وتفريقا بين المؤمنين وإرصادا لمن حارب الله ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد إنهم لكاذبون لا تقم فيه أبدا لمسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق أن تقوم فيه فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله ورضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم والله لا يهدي القوم الظالمين لا يزال بنيانهم الذي بنوا ريبة في قلوبهم إلا أن تقطع قلوبهم والله عليم حكيم) * كان أناس من المنافقين من أهل قباء، اتخذوا مسجدا إلى جنب مسجد قباء، يريدون به المضارة والمشاقة، بين المؤمنين، ويعدونه لمن يرجونه، من المحاربين لله ورسوله، يكون لهم حصنا عند الاحتياج إليه، فبين تعالى خزيهم، وأظهر سرهم فقال: * (والذين اتخذوا مسجدا ضرارا) * أي: مضارة للمؤمنين ولمسجدهم، الذي يجتمعون فيه * (وكفرا) * أي: مقصدهم فيه الكفر، إذا قصد غيرهم الإيمان. * (وتفريقا بين المؤمنين) * أي: ليتشعبوا ويتفرقوا ويختلفوا، * (وإرصادا) * أي: إعدادا * (لمن حارب الله ورسوله من قبل) * أي: إعانة للمحاربين لله ورسوله، الذين تقدم حرابهم، واشتدت عداوتهم، وذلك كأبي عامر الراهب، الذي كان من أهل المدينة، فلما قدم النبي صلى الله عليه وسلم وهاجر إلى المدينة، كفر به، وكان متعبدا في الجاهلية، فذهب إلى المشركين، يستعين بهم على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فلما لم يدرك مطلوبه عندهم ذهب إلى قيصر، بزعمه أنه ينصره، فهلك اللعين في الطريق، وكان على وعد وممالئة، هو والمنافقون. فكان مما أعدوا له مسجد الضرار، فنزل الوحي بذلك، فبعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم من يهدمه، ويحرقه، فهدم وحرق، وصار بعد ذلك مزبلة. قال تعالى بعدما بين مقاصدهم
(٣٥١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 346 347 348 349 350 351 352 353 354 355 356 ... » »»