تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٢٨
شيء عليم) * الآيات السابقات في ذكر عقد الموالاة بين المؤمنين من المهاجرين والأنصار. وهذه الآيات في بيان مدحهم وثوابهم، فقال: * (والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله والذين آووا ونصروا أولئك هم المؤمنون) * من المهاجرين والأنصار، أي: المؤمنون * (حقا) * لأنهم صدقوا إيمانهم بما قاموا به من الهجرة والنصرة والموالاة بعضهم لبعض، وجهادهم لأعدائهم من الكفار والمنافقين. * (لهم مغفرة) * من الله، تمحى بها سيئاتهم، وتضمحل بها زلاتهم. * (و) * (لهم) * (رزق كريم) * أي: خير كثير من الرب الكريم في جنات النعيم. وربما حصل لهم من الثواب المعجل ما تقر به أعينهم، وتطمئن به قلوبهم، وكذلك من جاء بعد هؤلاء المهاجرين والأنصار، ممن اتبعهم بإحسان فآمن وهاجر وجاهد في سبيل الله. * (فأولئك منكم) * لهم ما لكم وعليهم ما عليكم. فهذه الموالاة الإيمانية وقد كانت في أول الإسلام لها وقع كبير، وشأن عظيم، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم آخى بين المهاجرين والأنصار أخوة خاصة، غير الأخوة الإيمانية العامة، وحتى كانوا يتوارثون بها، فأنزل الله * (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله) *، فلا يرثه إلا أقاربه من العصبات، وأصحاب الفروض. فإن لم يكونوا، فأقرب قراباته، من ذوي الأرحام، كما دل عليه عموم الآية الكريمة، وقوله: * (في كتاب الله) * أي: في حكمه وشرعه. * (إن الله بكل شيء عليم) * ومنه ما يعلمه، من أحوالكم، التي يجري من شرائعه الدينية عليكم، ما يناسبها. تم تفسير سورة الأنفال وولله الحمد والمنة. سورة التوبة * (براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين * فسيحوا في الأرض أربعة أشهر واعلموا أنكم غير معجزي الله وأن الله مخزي الكافرين) * أي: هذه براءة من الله، ومن رسوله إلى جميع المشركين المعاندين، أن لهم أربعة أشهر، يسيحون في الأرض على اختيارهم، آمنين من المؤمنين، وبعد الأربعة الأشهر، فلا عهد له ولا ميثاق. وهذا لمن كان له عهد مطلق، غير مقدر، أو مقدر بأربعة أشهر، فأقل. أما من كان له عهد مقدر، بزيادة على أربعة أشهر، فإنه يتعين أن يتمم له عهده، إذا لم يخف منه خيانة، ولم يبدأ بنقض العهد. ثم أنذر المعاهدين في مدة عهدهم، أنهم وإن كانوا آمنين، فإنهم لن يعجزوا الله، ولن يفوتوه، وأنه من استمر منهم على شركه فإنه لا بد أن يخزيه، فكان هذا، مما يجلبهم إلى الدخول في الإسلام، إلا من عاند وأصر، ولم يبال بوعيد الله. * (وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله فإن تبتم فهو خير لكم وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله وبشر الذين كفروا بعذاب أليم) * هذا ما وعد الله به المؤمنين، من نصر دينه، وإعلاء كلمته، وخذلان أعدائهم، من المشركين، الذين أخرجوا الرسول ومن معه من مكة، من بيت الله الحرام، وأجلوهم مما لهم التسلط عليه من أرض الحجاز. نصر الله رسوله والمؤمنين حتى افتتح مكة، وأذل المشركين، وصار للمؤمنين الحكم والغلبة على تلك الديار. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنه أن يؤذن يوم الحج الأكبر، وهو: يوم النحر، وقت اجتماع الناس، مسلمهم وكافرهم، من جميع جزيرة العرب، أن يؤذن بأن الله بريء ورسوله من المشركين، فليس لهم عنده عهد وميثاق، فأينما وجدوا قتلوا، وقيل لهم: لا تقربوا المسجد الحرام بعد عامكم هذا، وكان سنة تسع من الهجرة. وحج بالناس أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأذن ببراءة يوم النحر، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه. ثم رغب تعالى المشركين بالتوبة، ورهبهم من الاستمرار على الشرك فقال: * (فإن تبتم فهو خير لكم، وإن توليتم فاعلموا أنكم غير معجزي الله) *. أي: فائتيه، بل أنتم في قبضته، قادر أن يسلط عليكم عباده المؤمنين. * (وبشر الذين كفروا بعذاب أليم) * أي: مؤلم مفظع في الدنيا، بالقتل، والأسر، والجلاء، وفي الآخرة، بالنار، وبئس القرار. * (إلا الذين عاهدتم من المشركين ثم لم ينقصوكم شيئا ولم يظاهروا عليكم أحدا فأتموا إليهم
(٣٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 323 324 325 326 327 328 329 330 331 332 333 ... » »»