تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٢٠
مستخفيا منهم، خائفا على نفسه. فسبحان اللطيف بعباده الذي لا يغالبه مغالب. * (وإذا تتلى عليهم آياتنا قالوا قد سمعنا لو نشآء لقلنا مثل ه ذا إن ه ذآ إلا أساطير الأولين * وإذ قالوا اللهم إن كان ه ذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم * وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون * وما لهم ألا يعذبهم الله وهم يصدون عن المسجد الحرام وما كانوا أوليآءه إن أوليآؤه إلا المتقون ول كن أكثرهم لا يعلمون) * يقول تعالى في بيان عناد المكذبين للرسول صلى الله عليه وسلم: * (إذا تتلى عليهم آياتنا) * الدالة على صدق ما جاء به الرسول. * (قالوا قد سمعنا لو نشاء لقلنا مثل هذا إن هذا إلا أساطير الأولين) * وهذا من عنادهم وظلمهم، وإلا فقد تحداهم الله أن يأتوا بسورة من مثله، ويدعوا من استطاعوا من دون الله، فلم يقدروا على ذلك، وتبين عجزهم. فهذا القول الصادر من هذا القائل، مجرد دعوى، كذبه الواقع. وقد علم أنه صلى الله عليه وسلم أمي، لا يقرأ ولا يكتب، ولا رحل ليدرس من أخبار الأولين، فأتى بهذا الكتاب الجليل، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. * (وإذ قالوا اللهم إن كان هذا) * الذي يدعو إليه محمد * (هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم) * قالوه على وجه الجزم منهم بباطلهم، والجهل بما يبنيغ من الخطاب. فلو أنهم إذ أقاموا على باطلهم من الشبه والتمويهات ما أوجب لهم أن يكونوا على بصيرة ويقين منه قالوا لمن ناظرهم وادعى أن الحق معه، إن كان هذا هو الحق من عندك، فاهدنا له، لكان أولى لهم وأستر لظلمهم. فمذ قالوا: * (اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك) * الآية، علم بمجرد قولهم، أنهم السفهاء الأغبياء، الجهلة الظالمون. فلو عاجلهم الله بالعقاب لما أبقى منهم باقية، ولكنه تعالى دفع عنهم العذاب، بسبب وجود الرسول بين أظهرهم فقال: * (وما كان الله ليعذبهم وأنت فيهم) * فوجوده صلى الله عليه وسلم أمنة لهم من العذاب. وكانوا مع قولهم هذه المقالة التي يظهرونها على رؤوس الأشهاد، يدرون بقبحها فكانوا يخافون من وقوعها فيهم، فيستغفرون الله تعالى فلهذا قال: * (وما كان الله معذبهم وهم يستغفرون) *. فهذا مانع يمنع من وقوع العذاب بهم، بعدما انعقدت أسبابه. ثم قال: * (وما لهم ألا يعذبهم الله) * أي: أي شيء يمنعهم من عذاب الله، وقد فعلوا ما يوجب ذلك وهو صد الناس عن المسجد الحرام، خصوصا صدهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، الذين هم أولى به منهم. ولهذا قال: * (وما كانوا ) * أي المشركون * (أولياءه) * يحتمل أن الضمير يعود إلى الله، أي: أولياء الله. ويحتمل أن يعود إلى المسجد الحرام، أي: وما كانوا أولى به من غيرهم، * (إن أولياؤه إلا المتقون) * وهم الذين آمنوا بالله ورسوله، وأفردوا الله بالتوحيد والعبادة، وأخلصوا له الدين، * (ولكن أكثرهم لا يعلمون) * فلذلك ادعوا لأنفسهم أمرا، غيرهم أولى به. * (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) * يعني أن الله تعالى إنما جعل بيته الحرام ليقام فيه دينه، وتخلص له فيه العبادة. فالمؤمنون هم الذين قاموا بهذا الأمر، وأما هؤلاء المشركون الذين يصدون عنه، فما كانت صلاتهم فيه التي هي أكبر أنواع العبادات * (إلا مكاء وتصدية) *، أي صفيرا وتصفيقا، فعل الجهلة الأغبياء، الذين ليس في قلوبهم تعظيم لربهم، ولا معرفة بحقوقه، ولا احترام لأفضل البقاع وأشرفها، فإذا كانت هذه صلاتهم فيه، فكيف ببقية العبادات؟ فبأي شيء كانوا أولى بهذا البيت من المؤمنين، الذين هم في صلاتهم خاشعون، والذين هم عن اللغو معرضون، إلى آخر ما وصفهم الله به من الصفات الحميدة، والأفعال السديدة. لا جرم، أورثهم الله بيته الحرام، ومكنهم منه. وقال بعدما مكن لهم منه * (يا أيها الذين آمنوا إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا) * وقال هنا: * (فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) *. * (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن سبيل الله فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جهنم يحشرون * ليميز الله الخبيث من الطيب ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أول ئك هم الخاسرون) * يقول تعالى مبينا عداوة المشركين، وكيدهم، ومكرهم، ومبارزتهم لله ولرسوله، وسعيهم في إطفاء نوره، وإخماد كلمته، وأن وبال مكرهم سيعود عليهم، ولا يحيق المكر السئ إلا بأهله، فقال: * (إن الذين كفروا ينفقون أموالهم ليصدوا عن
(٣٢٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 315 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 ... » »»