التي أخبر الله أن يؤيد بها المؤمنين، تكون بحسب ما قاموا به من أعمال الإيمان. فإذا أديل العدو على المؤمنين في بعض الأوقات، فليس ذلك إلا تفريطا من المؤمنين وعدم قيام بواجب الإيمان ومقتضاه وإلا فلو قاموا بما أمر الله به من كل وجه، لما انهزمت لهم راية انهزاما مستقرا ولا أديل عليهم عدوهم أبدا. * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون) * لما أخبر تعالى أنه مع المؤمنين، أمرهم أن يقوموا بمقتضى الإيمان الذي يدركون معيته فقال: * (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله) * بامتثال أمرهما واجتناب نهيهما. * (ولا تولوا عنه) * أي: عن هذا الأمر الذي هو طاعة الله، وطاعة رسوله، * (وأنتم تسمعون) * ما يتلى عليكم من كتاب الله، وأوامره، ووصاياه، ونصائحه، فتوليكم في هذه الحال من أقبح الأحوال. * (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون) * أي: لا تكتفوا بمجرد الدعوى الخالية، التي لا حقيقة لها، فإنها حالة لا يرضاها الله ولا رسوله. فليس الإيمان بالتمني والتحلي، ولكنه ما وقر في القلوب، وصدقته الأعمال. * (إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم لتولوا وهم معرضون) * يقول تعالى: * (إن شر الدواب عند الله) * من لم تفد فيهم الآيات والنذر، وهم * (الصم) * عن استماع الحق * (البكم) * عن النطق به، * (الذين لا يعقلون) * ما ينفعهم، ويؤثرونه على ما يضرهم. فهؤلاء شر عند الله، من شرار الدواب، لأن الله أعطاهم أسماعا وأبصارا وأفئدة، ليستعملوها في طاعة الله، فاستعملوها في معاصيه وعدموا بذلك الخير الكثير. فإنهم كانوا بصدد أن يكونوا من خيار البرية، فأبوا هذا الطريق، واختاروا لأنفسهم أن يكونوا من شر البرية. والسمع الذي نفاه الله عنهم، سمع المعنى المؤثر في القلب، وأما سمع الحجة، فقد قامت حجة الله تعالى عليهم، بما سمعوه من آياته، وإنما لم يسمعهم السماع النافع، لأنه لم يعلم فيهم خيرا يصلحون به لسماع آياته. * (ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم ولو أسمعهم) * على الفرض والتقدير * (لتولوا) * عن الطاعة * (وهم معرضون) * لا التفات لهم إلى الحق، بوجه من الوجوه. وهذا دليل على أن الله تعالى لا يمنع الإيمان والخير، إلا عمن لا خير فيه، والذي لا يزكو لديه، ولا يثمر عنده. وله الحمد تعالى والحكمة في هذا. * (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب) * يأمر تعالى عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان منهم وهو: الاستجابة لله وللرسول، أي: الانقياد لما أمر به والمبادرة إلى ذلك، والدعوة إليه، والاجتناب لما نهيا عنه، والانكفاف عنه، والنهي عنه. وقوله: * (إذا دعاكم لما يحييكم) * وصف ملازم، لكل ما دعا الله ورسوله إليه، وبيان لفائدته وحكمته، فإن حياة القلب والروح بعبودية الله تعالى، ولزوم طاعته، وطاعة رسوله، على الدوام. ثم حذر عن عدم الاستجابة لله وللرسول فقال: * (واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه) * فإياكم أن تردوا أمر الله، أول ما يأتيكم، فيحال بينكم وبينه إذا أردتموه بعد ذلك، وتختلف قلوبكم فإن الله يحول بين المرء وقلبه، يقلب القلوب حيث شاء، ويصرفها أنى شاء. فليكثر العبد من قول: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، يا مصرف القلوب، اصرف قلبي إلى طاعتك). * (وأنه إليه تحشرون) * أي: تجمعون ليوم لا ريب فيه، فيجازى المحسن بإحسانه، والمسيء بعصيانه. * (واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة) * بل تصيب فاعل الظلم وغيره، وذلك إذا ظهر الظلم فلم يغير، فإن عقوبته، تعم الفاعل وغيره. وتتقى هذه الفتنة، بالنهي عن المنكر، وقمع أهل الشر والفساد، وأن لا يمكنوا من المعاصي والظلم مهما أمكن. * (واعلموا أن الله شديد العقاب) * لمن تعرض لمساخطه، وجانب رضاه. * (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض تخافون أن
(٣١٨)