تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٢٢
تبع للمصلحة، وهذا هو الأولى. وجعل الله أداء الخمس على وجهه، شرطا للإيمان فقال: * (إن كنتم آمنتم بالله وما أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان) * وهو يوم (بدر) الذي فرق الله به بين الحق والباطل، وأظهر الحق، وأبطل الباطل. * (يوم التقى الجمعان) * جمع المسلمين، وجمع الكافرين، أي: إن كان إيمانكم بالله، وبالحق الذي أنزله الله على رسوله يوم الفرقان، الذي حصل فيه من الآيات والبراهين، ما دل على أن ما جاء به هو الحق. * (والله على كل شيء قدير) * لا يغالبه أحد إلا غلبه. * (إذ أنتم بالعدوة الدنيا) * أي: بعدوة الوادي القريبة من المدينة، * (وهم بالعدوة القصوى) * أي: جانبه البعيد من المدينة، فقد جمعكم واد واحد. * (والركب) * الذي خرجتم لطلبه، وأراد الله غيره * (أسفل منكم) * مما يلي ساحل البحر. * (ولو تواعدتم) * أنتم وإياهم على هذا الوصف، وبهذه الحال * (لاختلفتم في الميعاد) * أي: لا بد من تقدم أو تأخر، أو اختيار منزل، أو غير ذلك، مما يعرض لكم، أو لهم، يصدفكم عن ميعادهم. * (ولكن) * الله جمعكم على هذه الحال * (ليقضي الله أمرا كان مفعولا) * أي: مقدرا في الأزل، لا بد من وقوعه. * (ليهلك من هلك عن بينة) * أي ليكون حجة وبينة للمعاند، فيختار الكفر على بصيرة وجزم ببطلانه، فلا يبقى له عذر عند الله. * (ويحيا من حي عن بينة) * أي: يزداد المؤمن بصيرة ويقينا، بما أرى الله الطائفتين من أدلة الحق وبراهينه، ما هو تذكرة لأولي الألباب. * (وإن الله لسميع) * سميع لجميع الأصوات، باختلاف اللغات، على تفنن الحاجات. * (عليم) * بالظواهر، والضمائر، والسرائر، والغيب، والشهادة. * (إذ يريكهم الله في منامك قليلا ولو أراكهم كثيرا لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ول كن الله سلم إنه عليم بذات الصدور * وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلا ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمرا كان مفعولا وإلى الله ترجع الأمور) * وكان الله قد أرى رسوله المشركين في الرؤيا قليلا، فبشر بذلك أصحابه، فاطمأنت قلوبهم، وتثبتت أفئدتهم. * (ولو أراكهم كثيرا) * فأخبرت بذلك أصحابك * (لفشلتم ولتنازعتم في الأمر) * فمنكم من يرى الإقدام على قتالهم، ومنكم من لا يرى ذلك، والتنازع مما يوجب الفشل. * (ولكن الله سلم) * أي: لطف بكم * (إنه عليم بذات الصدور) * أي: بما فيها من ثبات وجزع، وصدق وكذب. فعلم الله من قلوبكم، ما صار سببا للطفه وإحسانه بكم، وصدق رؤيا رسوله. فأرى الله المؤمنين عدوهم، قليلا في أعينهم، ويقللكم يا معشر المؤمنين في أعينهم، فكل من الطائفتين، ترى الأخرى قليلة، لتقدم كل منهما على الأخرى. * (ليقضي الله أمرا كان مفعولا) * من نصر المؤمنين، وخذلان الكافرين وقتل قادتهم، ورؤساء الضلال منهم، ولم يبق منهم أحد، له اسم يذكر، فيتيسر بعد ذلك انقيادهم إذا دعوا إلى الإسلام، فصار أيضا لطفا بالباقين، الذين من الله عليهم بالإسلام. * (وإلى الله ترجع الأمور) * أي: جميع أمور الخلائق ترجع إلى الله، فيميز الخبيث من الطيب، ويحكم في الخلائق بحكمه العادل، الذي لا جور فيه، ولا ظلم. * (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون * وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين * ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله والله بما يعملون محيط * وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم وقال لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم فلما ترآءت الفئتان نكص على عقبيه وقال إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون إني أخاف الله والله شديد العقاب * إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض غر ه ؤلاء دينهم ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز حكيم) * يقول تعالى: * (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة) * أي: طائفة من الكفار تقاتلكم. * (فاثبتوا) * لقتالها، واستعملوا الصبر، وحبس النفس، على هذه الطاعة الكبيرة، التي عاقبتها العز والنصر. واستعينوا على ذلك، بالإكثار من ذكر الله * (لعلكم تفلحون) * أي: تدركون ما تطلبون من الانتصار على أعدائكم، فالصبر والثبات، والإكثار من ذكر الله من أكبر الأسباب للنصر. * (وأطيعوا الله ورسوله) * في استعمال ما أمروا به، والمشي خلف ذلك في جميع الأحوال.
(٣٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 ... » »»