تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٢١
سبيل الله) * أي: ليبطلوا الحق، وينصروا الباطل، ويبطل توحيد الرحمن، ويقوم دين عبادة الأوثان. * (فسينفقونها) * أي: فسيصدرون هذه النفقة، وتخف عليهم، لتمسكهم بالباطل، وشدة بغضهم للحق، * (ثم تكون عليهم حسرة) * أي: ندامة، وخزيا، وذلا. * (ثم يغلبون) * فتذهب أموالهم، وما أملوا، ويعذبون في الآخرة أشد العذاب، ولهذا قال: * (والذين كفروا إلى جهنم يحشرون) * أي: يجمعون إليها، ليذوقوا عذابها، وذلك لأنها دار الخبث والخبثاء، والله تعالى يريد أن يميز الخبيث من الطيب، ويجعل كل واحد على حدة، وفي دار تخصه، فيجعل الخبيث بعضه على بعض، من الأعمال والأموال والأشخاص. * (فيركمه جميعا فيجعله في جهنم أولئك هم الخاسرون) * (الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين) * (قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف وإن يعودوا فقد مضت سنة الأولين * وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله فإن انتهوا فإن الله بما يعملون بصير * وإن تولوا فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى ونعم النصير) * هذا من لطفه تعالى بعباده لا يمنعه كفر العباد، ولا استمرارهم في العناد، من أن يدعوهم إلى طريق الرشاد والهدى، وينهاهم عما يهلكهم من أسباب الغي والردى، فقال: * (قل للذين كفروا إن ينتهوا) * عن كفرهم، وذلك بالإسلام لله وحده لا شريك له. * (يغفر لهم ما قد سلف) * منهم من الجرائم * (وإن يعودوا) * إلى كفرهم وعنادهم * (فقد مضت سنة الأولين) * بإهلاك الأمم المكذبة، فلينتظروا ما حل بالمعاندين، فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون. فهذا خطابه للمكذبين، وأما خطابه للمؤمنين عندما أمرهم بمعاملة الكافرين فقال: * (وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة) * أي: شرك، وصد عن سبيل الله ويذعنوا لأحكام الإسلام، * (ويكون الدين كله لله) *. فهذا المقصود من القتال والجهاد لأعداء الدين، أن يدفع شرهم عن الدين، وأن يذب عن دين الله، الذي خلق الخلق له، حتى يكون هو العالي على سائر الأديان. * (فإن انتهوا) * عن ما هم عليه من الظلم * (فإن الله بما يعملون بصير) * لا تخفى عليه منهم خافية. * (وإن تولوا) * عن الطاعة وأوضعوا في الإضاعة * (فاعلموا أن الله مولاكم نعم المولى) * الذي يتولى عباده المؤمنين، ويوصل إليهم مصالحهم، وييسر لهم منافعهم الدينية والدنيوية، * (ونعم النصير) * الذي ينصرهم، فيدفع عنهم كيد الفجار، وتكالب الأشرار. ومن كان الله مولاه وناصره فلا خوف عليه ومن كان الله عليه، فلا عز له، ولا قائمة تقوم له. * (واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل إن كنتم آمنتم بالله ومآ أنزلنا على عبدنا يوم الفرقان يوم التقى الجمعان والله على كل شيء قدير * إذ أنتم بالعدوة الدنيا وهم بالعدوة القصوى والركب أسفل منكم ولو تواعدتم لاختلفتم في الميعاد ول كن ليقضي الله أمرا كان مفعولا ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وإن الله لسميع عليم) * يقول تعالى: * (واعلموا أنما غنمتم من شيء) * أي: أخذتم من مال الكفار قهرا بحق، قليلا كان أو كثيرا، * (فإن الله خمسه) * أي: وباقيه لكم، أيها الغانمون، لأنه أضاف الغنيمة إليهم، وأخرج منها خمسها، فدل على أن الباقي لهم، يقسم على ما قسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم: للراجل سهم، وللفارس سهمان سهم لفرسه، وسهم له. وأما هذا الخمس، فيقسم خمسة أسهم، سهم لله ولرسوله، يصرف في مصالح المسلمين العامة، من غير تعيين لمصلحة، لأن الله جعله له ولرسوله، والله ورسوله غنيان عنه، فعلم أنه لعباد الله، فإذا لم يعين الله له مصرفا، دل على أن مصرفه للمصالح العامة. والخمس الثاني: لذي القربى، وهم قرابة النبي صلى الله عليه وسلم من بني هاشم، وبني المطلب، وأضافه الله إلى القرابة، دليلا على أن العلة فيه مجرد القرابة، فيستوي فيه غنيهم وفقيرهم، ذكرهم وأنثاهم. والخمس الثالث، لليتامى وهم: الذين فقدت آباؤهم وهم صغار، جعل الله لهم خمس الخمس، رحمة بهم، حيث كانوا عاجزين عن القيام بمصالحهم، وقد فقد من يقوم بمصالحهم. والخمس الرابع للمساكين، أي: المحتاجين الفقراء، من صغار، وكبار، ذكور، وإناث. والخمس الخامس، لابن السبيل، وهو: الغريب المنقطع به في غير بلده. وبعض المفسرين يقول: إن خمس الغنيمة، لا يخرج عن هذه الأصناف، ولا يلزم أن يكونوا فيه، على السواء، بل ذلك
(٣٢١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 316 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 ... » »»