تسليط أوليائه على أعدائه، وتقتيلهم. * (ذلكم) * العذاب المذكور * (فذوقوه) * أيها المشاققون لله ورسوله عذابا معجلا، * (وأن للكافرين عذاب النار) *. وفي هذه القصة من آيات الله العظيمة، ما يدل على أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم رسول الله حق. منها: أن الله وعدهم وعدا، فأنجزهموه. ومنها: ما قال الله تعالى: * (قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأي العين) * الآية. ومنها: إجابة دعوة الله للمؤمنين، لما استغاثوه، بما ذكره من الأسباب، وفيها الاعتناء العظيم بحال عباده المؤمنين، وتقييض الأسباب، التي بها ثبت إيمانهم، وثبتت أقدامهم، وزال عنهم المكروه والوساوس الشيطانية. ومنها: أن من لطف الله بعبده، أن يسهل عليه طاعته، وييسرها بأسباب داخلية وخارجية. * (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير) * أمر الله تعالى عباده المؤمنين بالشجاعة الإيمانية، والقوة في أمره، والسعي في جلب الأسباب المقوية للقلوب والأبدان. ونهاهم عن الفرار، إذا التقى الزحفان فقال: * (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا) * أي: صف القتال، وتزاحف الرجال، واقتراب بعضهم من بعض، * (فلا تولوهم الأدبار) *، بل اثبتوا لقتالهم، واصبروا على جلادهم، فإن في ذلك نصرة لدين الله، وقوة لقلوب المؤمنين، وإرهابا للكافرين. * (ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء) * أي: رجع * (بغضب من الله ومأواه) * أي: مقره * (جهنم وبئس المصير) *. وهذا يدل على أن الفرار من الزحف، من غير عذر، من أكبر الكبائر، كما وردت بذلك الأحاديث الصحيحة وكما نص هنا على وعيده بهذا الوعيد الشديد. ومفهوم الآية: أن المتحرف للقتال، وهو إلي ينحرف من جهة إلى أخرى، ليكون أمكن له في القتال، وأنكى لعدوه، فإنه لا بأس بذلك، لأنه لم يول دبره فارا، وإنما ولى دبره، ليستعلي على عدوه، أو يأتيه من محل يصيب فيه غرته، أو ليخدعه بذلك، أو غير ذلك من مقاصد المحاربين. وأن المتحيز إلى فئة تمنعه وتعينه على قتال الكفار، فإن ذلك جائز، فإن كانت الفئة في العسكر، فالأمر في هذا واضح. وإن كانت الفئة في غير محل المعركة كانهزام المسلمين بين يدي الكافرين والتجائهم إلى بلد من بلدان المسلمين أو إلى عسكر آخر من عسكر المسلمين، فقد ورد من آثار الصحابة ما يدل على أن هذا جائز، ولعل هذا يقيد بما إذا ظن المسلمون، أن الانهزام أحمد عاقبة، وأبقى عليهم. أما إذا ظنوا غلبتهم للكفار في ثباتهم لقتالهم، فيبعد في هذه الحال أن تكون من الأحوال المرخص فيها، لأنه على هذا لا يتصور الفرار المنهي عنه، وهذه الآية مطلقة، وسيأتي في آخر السورة تقييدها بالعدد. * (فلم تقتلوهم ول كن الله قتلهم وما رميت إذ رميت ول كن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا إن الله سميع عليم * ذلكم وأن الله موهن كيد الكافرين * إن تستفتحوا فقد جاءكم الفتح وإن تنتهوا فهو خير لكم وإن تعودوا نعد ولن تغني عنكم فئتكم شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين) * يقول تعالى لما انهزم المشركون يوم بدر، وقتلهم المسلمون * (فلم تقتلوهم) * بحولكم وقوتكم * (ولكن الله قتلهم) * حيث أعانكم على ذلك بما تقدم ذكره. * (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى) *، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت القتال، دخل العريش، وجعل يدعو الله، ويناشده في نصرته، ثم خرج منه، فأخذ حفنة من تراب، فرماها في وجوه المشركين، فأوصلها الله إلى وجوههم، فما بقي منهم واحد إلا وقد أصاب وجهه، وفمه، وعينيه منها، فحينئذ انكسر حدهم، وفتر زندهم، وبان فيهم الفشل والضعف، فانهزموا. يقول تعالى لنبيه: لست بقوتك حين رميت التراب أوصلته إلى أعينهم، وإنما أوصلناه إليهم، بقوتنا واقتدارنا. * (وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا) * أي: إن الله تعالى، قادر على انتصار المؤمنين من الكافرين، من دون مباشرة قتال، ولكن الله أراد أن يمتحن المؤمنين، ويوصلهم بالجهاد، إلى أعلى الدرجات، وأرفع المقامات، ويعطيهم أجرا حسنا، وثوابا جزيلا. * (إن الله سميع عليم) * يسمع تعالى، ما أسر به العبد، وما أعلن، ويعلم ما في قلبه من النيات الصالحة وضدها، فيقدر على العباد أقدارا، موافقة لعلمه وحكمته، ومصلحة عباده، ويجزي كلا بحسب نيته وعمله. * (ذلكم) * النصر، من الله لكم * (وأن الله موهن كيد الكافرين) * أي: مضعف كل مكر وكيد، يكيدون به الإسلام وأهله، وجاعل مكرهم محيقا بهم. * (إن تستفتحوا) * أيها المشركون، أي: تطلبون من الله أن يوقع بأسه وعذابه على المعتدين الظالمين. * (فقد جاءكم الفتح) * حين أوقع الله بكم من عقابه، ما كان نكالا لكم، وعبرة للمتقين * (وإن تنتهوا) * عن الاستفتاح * (فهو خير لكم) * لأنه ربما أمهلكم، ولم يعجل لكم النقمة. * (ولن تغني عنكم فئتكم) * أي: أعوانكم وأنصاركم، الذين تحاربون وتقاتلون، معتمدين عليهم * (شيئا ولو كثرت وأن الله مع المؤمنين) *. ومن كان الله معه فهو المنصور وإن كان ضعيفا قليلا عدده، وهذه المعية
(٣١٧)