* (ولا تنازعوا) * تنازعا يوجب تشتيت القلوب وتفرقها، * (فتفشلوا) * أي: تجبنوا * (وتذهب ريحكم) * أي: وتنحل عزائمكم، وتفرق قوتكم، ويرفع ما وعدتم به من النصر على طاعة الله ورسوله. * (واصبروا) * نفوسكم على طاعة الله * (إن الله مع الصابرين) * بالعون والنصر والتأييد، واخشعوا لربكم، واخضعوا له. * (ولا تكونوا كالذين خرجوا من ديارهم بطرا ورئاء الناس ويصدون عن سبيل الله) * أي: هذا مقصدهم الذي خرجوا إليه، وهذا الذي أبرزهم من ديارهم، الأشر والبطر في الأرض، وليراهم الناس ويفخروا لديهم. والمقصود الأعظم: أنهم خرجوا ليصدوا عن سبيل الله، من أراد سلوكه، * (والله بما يعملون محيط) * فلذلك أخبركم بمقاصدهم، وحذركم أن تشبهوا بهم، فإنه سيعاقبهم على ذلك أشد العقوبة. فليكن قصدكم في خروجكم وجه الله تعالى، وإعلاء دين الله، والصد عن الطريق الموصلة إلى سخط الله وعقابه، وجذب الناس إلى سبيل الله القويم، الموصل لجنات النعيم. * (وإذ زين لهم الشيطان أعمالهم) * حسنها في قلوبهم. * (وقال لا غالب لكم اليوم من الناس) *، فإنكم في عدد وعدد، وهيئة لا يقاومكم فيها محمد ومن معه. * (وإني جار لكم) * من أن يأتيكم أحد، ممن تخشون غائلته، لأن إبليس قد تبدى لقريش في صورة سراقة بن مالك بن جعشم المدلجي وكانوا يخافون من بني مدلج لعداوة كانت بينهم. فقال لهم الشيطان: أنا جار لكم، فاطمأنت نفوسهم، وأتوا على حرد قادرين. فلما * (تراءت الفئتان) * المسلمون والكافرون، فرأى الشيطان جبريل عليه السلام يزع الملائكة خاف خوفا شديدا و * (نكص على عقبيه) * أي: ولى مدبرا، * (وقال) * لمن خدعهم وغرهم: * (إني بريء منكم إني أرى ما لا ترون) * أي: أرى الملائكة الذين لا يدان، لأحد بقتالهم. * (إني أخاف الله) * أي: أخاف أن يعاجلني بالعقوبة في الدنيا * (والله شديد العقاب) *. ومن المحتمل أن يكون الشيطان، سول لهم، ووسوس في صدورهم أنه لا غالب لهم اليوم من الناس، وأنه جار لهم. فلما أوردهم مواردهم، نكص عنهم، وتبرأ منهم، كما قال تعالى: * (كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر، فلما كفر قال: إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين * فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاء الظالمين) *. * (إذ يقول المنافقون والذين في قلوبهم مرض) * أي: شك وشبهة، من ضعفاء الإيمان، للمؤمنين، حين أقدموا مع قلتهم على قتال المشركين مع كثرتهم. * (غر هؤلاء دينهم) * أي: أوردهم الدين الذي هم عليه، هذه الموارد التي لا يدان لهم بها، ولا استطاعة لهم بها، يقولونه احتقارا لهم، واستخفافا بعقولهم، وهم والله الأخفاء عقولا، الضعفاء أحلاما. فإن الإيمان، يوجب لصاحبه الإقدام على الأمور الهائلة، التي لا يقدم عليها الجيوش العظام. فإن المؤمن المتوكل على الله، الذي يعلم أنه ما من حول ولا قوة ولا استطاعة لأحد إلا بالله تعالى، وأن الخلق لو اجتمعوا كلهم على نفع شخص بمثقال ذرة، لم ينفعوه، ولو اجتمعوا على أن يضروه، لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه، وعلم أنه على الحق، وأن الله تعالى حكيم رحيم، في كل ما قدره وقضاه فإنه لا يبالي بما أقدم عليه، من قوة وكثرة، وكان واثقا بربه، مطمئن القلب لا فزعا ولا جبانا.
ولهذا قال: * (ومن يتوكل على الله فإن الله عزيز) * لا تغالب قوته قوة، * (حكيم) * فيما قضاه وأجراه. * (ولو ترى إذ يتوفى الذين كفروا الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم وذوقوا عذاب الحريق ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله فأخذهم الله بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب) * يقول تعالى: ولو ترى الذين كفروا بآيات الله حين توفاهم الملائكة الموكلون بقبض أرواحهم وقد اشتد بهم القلق، وعظم كربهم، و * (الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم) * يقولون لهم: أخرجوا أنفسكم، ونفوسهم ممتنعة مستعصية على الخروج، لعلمها ما أمامها من العذاب الأليم. ولهذا قال: * (وذوقوا عذاب الحريق) * أي: العذاب الشديد المحرق. ذلك العذاب، حصل لكم غير ظلم ولا جور، من ربكم، وإنما هو بما قدمت أيديكم من المعاصي التي أثرت لكم ما أثرت، وهذه سنة الله في الأولين والآخرين، فإن دأب هؤلاء المكذبين أي: سنتهم وما أجرى الله عليهم من الهلاك بذنوبهم. * (كدأب آل فرعون والذين من قبلهم) * من الأمم المكذبة، * (كفروا بآيات الله فأخذهم الله) * بالعقاب * (بذنوبهم إن الله قوي شديد العقاب) * لا يعجزه أحد يريد أخذه