يتخطفكم الناس فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات لعلكم تشكرون) * يقول تعالى ممتنا على عباده، في نصرهم بعد الذلة، وتكثيرهم بعد القلة، وإغنائهم بعد العيلة. * (واذكروا إذ أنتم قليل مستضعفون في الأرض) * أي: مقهورون تحت حكم غيركم * (تخافون أن يتخطفكم الناس) * أي: يأخذوكم. * (فآواكم وأيدكم بنصره ورزقكم من الطيبات) * فجعل لكم بلدا تأوون إليه، وانتصر من أعدائكم على أيديكم، وغنمتم من أموالهم، ما كنتم به أغنياء. * (لعلكم تشكرون) * الله على منته العظيمة، وإحسانه التام، بأن تعبدوه، ولا تشركوا به شيئا. * (يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون * واعلموا أنمآ أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم) * يأمر تعالى عباده المؤمنين أن يؤدوا ما ائتمنهم الله عليه من أوامره ونواهيه. فإن الأمانة قد عرضها الله على السماوات والأرض والجبال، فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا. فمن أدى الأمانة استحق من الله الثواب الجزيل، ومن لم يؤدها بل خانها، استحق العقاب الوبيل، وصار خائنا لله وللرسول ولأمانته، منقصا لنفسه بكونه اتصفت نفسه بأخس الصفات، وأقبح الشيات، وهي الخيانة، مفوتا لها أكمل الصفات وأتمها، وهي: الأمانة. ولما كان العبد ممتحنا بأمواله وأولاده، فربما حملته محبته ذلك، على تقديم هوى نفسه، على أداء أمانته، أخبر الله تعالى أن الأموال والأولاد فتنة يبتلي الله بهما عباده، وأنهما عارية، ستؤدى لمن أعطاها، وترد لمن استودعها * (وأن الله عنده أجر عظيم) *. فإن كان لكم عقل ورأي، فآثروا فضله العظيم على لذة صغيرة فانية مضمحلة، فالعاقل يوازن بين الأشياء، ويؤثر أولاها بالإيثار، وأحقها بالتقديم. * (يا أيها الذين آمنوا إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم والله ذو الفضل العظيم) * امتثال العبد لتقوى ربه، عنوان السعادة، وعلامة الفلاح.، وقد رتب الله على التقوى من خير الدنيا والآخرة، شيئا كثيرا. فذكر هنا، أن من اتقى الله، حصل له أربعة أشياء، كل واحد منها خير من الدنيا وما فيها: الأول: الفرقان وهو: العلم والهدى الذي يفرق به صاحبه بين الهدى والضلال، والحق والباطل، والحلال والحرام، وأهل السعادة من أهل الشقاوة. الثاني والثالث: تكفير السيئات، ومغفرة الذنوب، وكل واحد منها داخل في الآخر، عند الإطلاق وعند الاجتماع. يفسر تكفير السيئات بالذنوب الصغائر، ومغفرة الذنوب بتكفير الكبائر. الرابع: الأجر العظيم، والثواب الجزيل، لمن اتقاه، وآثر رضاه على هوى نفسه. * (والله ذو الفضل العظيم) *. * (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين) * أي: * (و) * اذكر، أيها الرسول، ما من الله به عليك. * (إذ يمكر بك الذين كفروا) * حين تشاور المشركون في دار الندوة، فيما يصنعون بالنبي صلى الله عليه وسلم، إما أن يثبتوه عندهم بالحبس، ويوثقوه. وإما أن يقتلوه فيستريحوا بزعمهم من دعوته. وإما أن يخرجوه ويجلوه من ديارهم. فكل أبدى من هذه الآراء رأيا رآه. فاتفق رأيهم، على رأي رآه شريرهم، أبو جهل لعنه الله، وهو أن يأخذوا من كل قبيلة من قبائل قريش، فتى ويعطوه سيفا صارما، ويقتله الجميع قتلة رجل واحد، ليتفرق دمه في القبائل، فيرضى بنو هاشم ثم بديته، فلا يقدرون على مقاومة جميع قريش، فترصدوا للنبي صلى الله عليه وسلم في الليل ليوقعوا به إذا قام من فراشه. فجاء الوحي من السماء وخرج عليهم، فذر على رؤوسهم التراب وخرج، وأعمى الله أبصارهم عنه، حتى إذا استبطؤوه، جاءهم آت وقال: خيبكم الله، قد خرج محمد وذر على رؤوسكم التراب. فنفض كل منهم التراب عن رأسه، ومنع الله رسوله منهم، وأذن له في الهجرة إلى المدينة. فهاجر إليها، وأيده الله بأصحابه المهاجرين والأنصار، ولم يزل أمره يعلو حتى دخل مكة عنوة، وقهر أهلها، فأذعنوا له، وصاروا تحت حكمه، بعد أن خرج
(٣١٩)