الفوائد، وكل هذا، حث وإنهاض للمؤمنين على قتالهم فقال: * (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم) * بالقتل * (ويخزهم) * إذا نصركم الله عليهم، وهم الأعداء الذين يطلب خزيهم ويحرص عليه، * (وينصركم عليهم) * هذا وعد من الله وبشارة، قد أنجزها. * (ويشف صدور قوم مؤمنين ويذهب غيظ قلوبهم) * فإن في قلوبهم من الحنق والغيظ عليهم، ما يكون قتالهم وقتلهم شفاء لما في قلوب المؤمنين من الغم والهم، إذ يرون هؤلاء الأعداء محاربين لله ولرسوله، ساعين في إطفاء نور الله، وزوالا للغيظ الذي في قلوبكم، وهذا يدل على محبة الله للمؤمنين، واعتنائه بأحوالهم، حتى إنه جعل من جملة المقاصد الشرعية شفاء ما في صدورهم وذهاب غيظهم. ثم قال: * (ويتوب الله على من يشاء) * من هؤلاء المحاربين، بأن يوفقهم للدخول في الإسلام، ويزينه في قلوبهم، ويكره إليهم الكفر والفسوق والعصيان. * (والله عليم حكيم) * يضع الأشياء مواضعها، ويعلم من يصلح للإيمان فيهديه، ومن لا يصلح، فيبقيه في غيه وطغيانه. * (أم حسبتم أن تتركوا ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة والله خبير بما تعملون) * يقول تعالى لعباده المؤمنين بعدما أمرهم بالجهاد: * (أم حسبتم أن تتركوا) * من دون ابتلاء وامتحان، وأمر بما يبين به الصادق والكاذب. * (ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم) * أي: علما يظهر ما في القوة إلى الخارج، ليترتب عليه الثواب والعقاب، فيعلم الذين يجاهدون في سبيله: لإعلاء كلمته * (ولم يتخذوا من دون الله ولا رسوله ولا المؤمنين وليجة) * أي: وليا من الكافرين، بل يتخذون الله ورسوله والمؤمنين أولياء. فشرع الله الجهاد، ليحصل به هذا المقصود الأعظم، وهو أن يتميز الصادقون، الذين لا يتحيزون إلا لدين الله، من الكاذبين الذين يزعمون الإيمان وهم يتخذون الولائج والأولياء من دون الله ورسوله والمؤمنين. * (والله خبير بما تعملون) * أي: ما يصير منكم ويصدر، فيبتليكم بما تظهر به حقيقة ما أنتم عليه، ويجازيكم على أعمالكم، خيرها وشرها. * (ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون * إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أول ئك أن يكونوا من المهتدين) * يقول تعالى: * (ما كان) * أي ما ينبغي ولا يليق * (للمشركين أن يعمروا مساجد الله) * بالعبادة، والصلاة، وغيرها من أنواع الطاعات، والحال أنهم شاهدون ومقرون على أنفسهم بالكفر، بشهادة حالهم وفطرهم وعلم كثير منهم أنهم على الكفر والباطل. فإذا كانوا * (شاهدين على أنفسهم بالكفر) * وعدم الإيمان الذي هو شرط لقبول الأعمال، فكيف يزعمون أنهم عمار مساجد الله، والأصل منهم مفقود، والأعمال منهم باطلة؟ ولهذا قال: * (أولئك حبطت أعمالهم) * أي: بطلت وضلت * (وفي النار هم خالدون) *. ثم ذكر من هم عمار مساجد الله فقال: * (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة) * الواجبة والمستحبة، بالقيام بالظاهر منها والباطن. * (وآتى الزكاة) * لأهلها * (ولم يخش إلا الله) * أي قصر خشيته على ربه، فكف عن ما حرم الله، ولم يقصر بحقوق الله الواجبة. فوصفهم بالإيمان النافع، وبالقيام بالأعمال الصالحة، التي أمها، الصلاة، والزكاة، وبخشية الله التي هي أصل كل خير. فهؤلاء عمار المساجد على الحقيقة وأهلها الذين هم أهلها. * (فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين) * و (عسى) من الله واجبة. وأما من لم يؤمن بالله ولا باليوم الآخر، ولا عنده خشية لله، فهذا ليس من عمار مساجد الله، ولا من أهلها، الذين هم أهلها، وإن زعم ذلك وادعاه. * (أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الآخر وجاهد في سبيل الله لا يستوون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين * الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأول ئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم * خالدين فيهآ أبدا إن الله عنده أجر عظيم) * لما اختلف بعض المسلمين، أو بعض المسلمين وبعض المشركين، في تفضيل عمارة المسجد الحرام، بالبناء، والصلاة والعبادة فيه، وسقاية الحاج، على الإيمان بالله، والجهاد في سبيله، أخبر الله تعالى بالتفاوت بينهما، فقال: * (أجعلتم سقاية الحاج) * أي: سقيهم الماء من زمزم، كما هو المعروف، إذا أطلق هذا الاسم، أنه هو المراد * (وعمارة المسجد
(٣٣١)