تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٣٢٥
ونحو ذلك، مما يعين على قتالهم. فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع، والرشاشات، والبنادق، والطيارات الجوية، والمراكب البرية والبحرية، والقلاع، والخنادق، وآلات الدفاع، والرأي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتعلم الرمي، والشجاعة والتدبير. ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا إن القوة الرمي) ومن ذلك: الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها عند القتال، ولهذا قال تعالى: * (ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم) *، وهذه العلة موجودة فيها في ذلك الزمان، وهي إرهاب الأعداء، والحكم يدور مع علته. فإذا كان شيء موجودا أكثر إرهابا منها، كالسيارات البرية والهوائية، المعدة للقتال التي تكون النكاية فيها أشد، كانت مأمورا بالاستعداد بها، والسعي لتحصيلها، حتى إنها إذا لم توجد إلا بتعلم الصناعة، وجب ذلك، لأن (ما لا يتم الواجب إلا به، فهو واجب). وقوله: * (ترهبون به عدو الله وعدوكم) * ممن تعلمون أنهم أعداؤكم. * (وآخرين من دونهم لا تعلمونهم) * ممن سيقاتلونكم بعد هذا الوقت، الذي يخاطبهم الله به * (الله يعلمهم) * فلذلك أمرهم بالاستعداد لهم. ومن أعظم ما يعين على قتالهم بذلك، النفقات المالية في جهاد الكفار. ولهذا قال تعالى مرغبا في ذلك: * (وما تنفقوا من شيء في سبيل الله) * قليلا كان أو كثيرا * (يوف إليكم) * أجره يوم القيامة مضاعفا أضعافا كثيرة، حتى إن النفقة في سبيل الله، تضاعف إلى سبع مئة ضعف إلى أضعاف كثيرة. * (وأنتم لا تظلمون) * أي: لا تنقصون من أجرها وثوابها شيئا. * (وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله إنه هو السميع العليم * وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين * وألف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ول كن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم * يا أيها النبي حسبك الله ومن اتبعك من المؤمنين) * يقول تعالى: * (وإن جنحوا) * أي: الكفار المحاربون، أي: مالوا * (للسلم) * أي: الصلح وترك القتال. * (فاجنح لها وتوكل على الله) * أي: أجبهم إلى ما طلبوا، متوكلا على ربك، فإن في ذلك فوائد كثيرة. منها: أن طلب العافية مطلوب كل وقت، فإذا كانوا هم المبتدئين في ذلك، كان أولى لإجابتهم. ومنها: أن في ذلك استجماما لقواكم، واستعدادا منكم لقتالهم في وقت آخر، إن احتيج إلى ذلك. ومنها: أنكم إذا أصلحتم وأمن بعضكم بعضا، وتمكن كل من معرفة ما عليه الآخر، فإن الإسلام يعلو، ولا يعلى عليه. فكل من له عقل وبصيرة، إذا كان معه إنصاف، فلا بد أن يؤثره على غيره من الأديان، لحسنه في أوامره ونواهيه، وحسنه في معاملته للخلق، والعدل فيهم، وأنه لا جور فيه ولا ظلم بوجه، فحينئذ يكثر الراغبون فيه، والمتبعون له. فصار هذا السلم عونا للمسلمين على الكافرين، ولا يخاف من السلم إلا خصلة واحدة، وهي أن يكون الكفار قصدهم بذلك خدع المسلمين، وانتهاز الفرصة فيهم. فأخبرهم الله، أنه حسبهم وكافيهم خداعهم، وأن ذلك يعود عليهم ضرره فقال: * (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبك الله) * أي: كافيك ما يؤذيك، وهو القائم بمصالحك ومهماتك، فقد سبق لك من كفايته لك ونصره، ما يطمئن به قلبك. وإنه * (هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين) * أي: أعانك بمعونة سماوية وهو: النصر منه الذي لا يقاومه شيء، ومعونة بالمؤمنين بأن قيضهم لنصرك. * (وألف بين قلوبهم) * فاجتمعوا وائتلفوا، وازدادت قوتهم، بسبب اجتماعهم، ولم يكن هذا بسعي أحد، ولا بقوة، غير قوة الله. وإنك * (لو أنفقت ما في الأرض جميعا) * من ذهب، وفضة وغيرهما، لتأليفهم بعد تلك النفرة، والفرقة الشديدة * (ما ألفت بين قلوبهم) * لأنه لا يقدر على تقليب القلوب إلا الله تعالى. * (ولكن الله ألف بينهم إنه عزيز حكيم) * ومن عزته أن ألف بين قلوبهم، وجمعها بعد الفرقة كما قال تعالى: * (واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها) *. ثم قال تعالى: * (يا أيها النبي حسبك الله) * أي: كافيك * (ومن اتبعك من المؤمنين) * أي: وكافي أتباعك من المؤمنين، وهذا وعد من الله، لعباده المؤمنين المتبعين لرسوله، بالكفاية، والنصرة على الأعداء. فإذا أتوا بالسبب الذي هو الإيمان والاتباع، فلا بد أن يكفيهم ما أهمهم من أمور الدين والدنيا، وإنما تتخلف الكفاية بتخلف شرطها. * (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين وإن يكن منكم مئة يغلبوا ألفا من الذين كفروا بأنهم قوم لا يفقهون * الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله والله مع الصابرين) * يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: * (يا أيها النبي حرض المؤمنين على القتال) * أي: حثهم واستنهضهم إليه بكل ما يقوي عزائمهم، وينشط هممهم، من الترغيب في الجهاد، ومقارعة الأعداء، والترهيب من ضد ذلك، وذكر فضائل
(٣٢٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 320 321 322 323 324 325 326 327 328 329 330 ... » »»