تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٨٧
بالعدل والإخلاص، وفيه دليل على أن الهداية، بفضل الله ومنه، وأن الضلالة بخذلانه للعبد، إذ تولى بجهله وظلمه الشيطان، وتسبب لنفسه بالضلال. وأن من حسب أنه مهتد، وهو ضال، فإنه لا عذر له، لأنه متمكن من الهدى، وإنما أتاه حسبانه، من ظلمه بترك الطريق الموصل إلى الهدى. * (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) * يقول تعالى بعدما أنزل على بني آدم لباسا يواري سوءاتهم وريشا: * (يا بني آدم خذوا زينتكم عند كل مسجد) * أي: استروا عوراتكم عند الصلاة كلها، وفرضها ونفلها، فإن سترها زينة للبدن، كما أن كشفها، يدع البدن قبيحا مشوها. ويحتمل أن المراد بالزينة هنا، ما فوق ذلك، من اللباس النظيف الحسن، ففي هذا، الأمر بستر العورة في الصلاة، وباستعمال التجميل فيها، ونظافة السترة من الأدناس والأنجاس. ثم قال: * (وكلوا واشربوا) * أي: مما رزقكم الله من الطيبات * (ولا تسرفوا) * في ذلك. والإسراف، إما أن يكون بالزيادة على القدر الكافي، ولشره في المأكولات التي تضر بالجسم، وإما أن يكون بزيادة الترفه والتنوق في المآكل، والمشارب، واللباس، وإما بتجاوز الحلال إلى الحرام. * (إنه لا يحب المسرفين) * فإن السرف يبغضه الله، ويضر بدن الإنسان ومعيشته، حتى إنه ربما أدت به الحال إلى أن يعجز عما يجب عليه من النفقات، ففي هذه الآية الكريمة، الأمر بتناول الأكل والشرب، والنهي عن تركهما، وعن الإسراف فيهما. * (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * يقول تعالى منكرا على من تعنت، وحرم ما أحل الله من الطيبات * (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده) * من أنواع اللباس، على اختلاف أصنافه، والطيبات من الرزق، من مأكل، ومشرب، بجميع أنواعه، أي: من هذا الذي يقدم على تحريم ما أنعم الله على العباد، ومن ذا الذي يضيق عليهم، ما وسعه الله؟ وهذا التوسيع من الله لعباده، بالطيبات، جعله لهم ليستعينوا به على عبادته، فلم يبحه إلا لعباده المؤمنين، ولهذا قال: * (قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالص يوم القيامة) * أي: لا تبعة عليهم فيها. ومفهوم الآية، أن من لم يؤمن بالله، بل استعان بها على معاصيه، فإنها غير خالصة له ولا مباحة، بل يعاقب عليها، وعلى التنعم بها، ويسأل عن النعيم يوم القيامة. * (كذلك نفصل الآيات) * أي: نوضحها ونبينها * (لقوم يعلمون) * لأنهم الذين ينتفعون بما فصله الله من الآيات، ويعلمون أنها من عند الله، فيعقلونها ويفهمونها. ثم ذكر المحرمات، التي حرمها الله في كل شريعة من الشرائع فقال: * (قل إنما حرم ربي الفواحش) * أي: الذنوب الكبار، التي تستفحش وتستقبح، لشناعتها وقبحها، وذلك، كالزنا، واللواط، ونحوهما. وقوله: * (ما ظهر منها وما بطن) * أي: الفواحش التي تتعلق بحركات البدن، والتي تتعلق بحركات القلوب، كالكبر، والعجب والرياء، والنفاق، ونحو ذلك. * (والإثم والبغي بغير الحق) * أي: الذنوب التي تؤثم، وتوجب العقوبة في حقوق الله، والبغي على الناس، في دمائهم، وأموالهم، وأعراضهم، فدخل في هذا، الذنوب المتعلقة بحق الله، والمتعلقة بحق العباد. * (وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا) * أي: حجة، بل أنزل الحجة والبرهان على التوحيد. والشرك، هو: أن يشرك مع الله في عبادته، أحد من الخلق. وربما دخل في هذا، الشرك الأصغر، كالرياء، والحلف بغير الله، ونحو ذلك. * (وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون) * في أسمائه وصفاته وأفعاله، وشرعه. فكل هذه قد حرمها الله، ونهى العباد عن تعاطيها، لما فيها من المفاسد الخاصة والعامة، ولما فيها من الظلم والتجرؤ على الله، والاستطالة على عباد الله، وتغيير دين الله وشرعه. * (ولكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون) * أي: وقد أخرج الله بني آدم إلى الأرض، وأسكنهم فيها، وجعل لهم أجلا مسمى، لا تتقدم أمة من الأمم على وقتها المسمى، ولا تتأخر، لا الأمم المجتمعة، ولا أفرادها. * (يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون * والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنهآ أول ئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * لما أخرج الله بني آدم من الجنة، ابتلاهم بإرسال الرسل، وإنزال الكتب عليهم، يقصون عليهم آيات الله، ويبينون لهم
(٢٨٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 ... » »»