تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٨٦
المقصود منه، الجمال، وهكذا سائر الأشياء، كالطعام، والشراب، والمراكب، والمناكح ونحوها. قد يسر الله للعباد ضروريها، ومكمل ذلك، وبين لهما أن هذا، ليس مقصودا بالذات، وإنما أنزله الله، ليكون معونة لهم على عبادته وطاعته، ولهذا قال: * (ولباس التقوى ذلك خير) * من اللباس الحسي، فإن لباس التقوى، يستمر مع العبد، ولا يبلى ولا يبيد، وهو جمال القلب والروح. وأما اللباس الظاهري، فغايته أن يستر العورة الظاهرة، في وقت من الأوقات. أو يكون جمالا للإنسان، وليس وراء ذلك منه نفع. وأيضا، فبتقدير عدم هذا اللباس، تنكشف عورته الظاهرة، التي لا يضره كشفها، مع الضرورة، وأما بتقدير عدم لباس التقوى، فإنها تنكشف عورته الباطنة، وينال الخزي والفضيحة. وقوله: * (ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون) * أي: ذلك المذكور لكم من اللباس، مما تذكرون به، ما ينفعكم ويضركم، وتستعينون باللباس الظاهر على الباطن. * (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهمآ إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) * يقول تعالى، محذرا لبني آدم، أن يفعل بهم الشيطان، كما فعل بأبيهم: * (يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان) * بأن يزين لكم العصيان، ويدعوكم إليه، ويرغبكم فيه، فتنقادون له * (كما أخرج أبويكم من الجنة) * وأنزلهما من المحل العالي، إلى أنزل منه. فإياكم يريد أن يفعل بكم كذلك، ولا يألو جهده عنكم، حتى يفتنكم، إن استطاع. فعليكم أن تجعلوا الحذر منه في بالكم، وأن تلبسوا لأمة الحرب بينكم وبينه، وأن لا تغفلوا عن المواضع التي يدخل منها إليكم. * (إنه) * يراقبكم على الدوام، و * (يراكم هو وقبيله) * من شياطين الجن * (من حيث لا ترونهم إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون) *. فعدم الإيمان، هو الموجب لعقد الولاية بين الإنسان والشطان. * (إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون) *. * (وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا والله أمرنا بها قل إن الله لا يأمر بالفحشاء أتقولون على الله ما لا تعلمون قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون) * يقول تعالى، مبينا لقبح حال المشركين، الذين يفعلون الذنوب، وينسبون لله أنه أمرهم بها. * (وإذا فعلوا فاحشة) * وهي: كل ما يستفحش ويستقبح، ومن ذلك: طوافهم بالبيت عراة. * (قالوا وجدنا عليها آباءنا) *، وصدقوا في هذا. * (والله أمرنا بها) * وكذبوا في هذا، ولهذا رد الله عليهم هذه النسبة فقال: * (قل إن الله لا يأمر بالفحشاء) * أي: لا يليق بكماله وحكمته، أن يأمر عباده بتعاطي الفواحش، لا هذا الذي يفعله المشركون ولا غيره. * (أتقولون على الله ما لا تعلمون) * وأي افتراء أعظم من هذا. ثم ذكر ما يأمر به فقال: * (قل أمر ربي بالقسط) * أي: بالعدل في العبادات والمعاملات، لا بالظلم والجور. * (وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد) * أي: توجهوا إلى الله، واجتهدوا في تكميل العبادات، خصوصا (الصلاة) أقيموها، ظاهرا وباطنا، ونقوها من كل نقص ومفسد. * (وادعوه مخلصين له الدين) * أي: قاصدين بذلك وجهه وحده لا شريك له. والدعاء يشمل دعاء المسألة، ودعاء العبادة أي: لا تريدوا ولا تقصدوا من الأغراض في دعائكم، سوى عبودية الله ورضاه. * (كما بدأكم) * أول مرة * (تعودون) * للبعث، فالقادر على بدء خلقكم، قادر على إعادته، بل الإعادة، أهون من البدء. * (فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون) * * (فريقا) * منكم * (هدى) * الله، أي: وفقهم للهداية، ويسر لهم أسبابها، وصرف عنهم موانعها. * (وفريقا حق عليهم الضلالة) * أي: وجبت عليهم الضلالة، بما تسببوا لأنفسهم، وعملوا بأسباب الغواية. * (إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله) * ومن يتخذ الشيطاين وليا من دون الله، فقد خسر خسرانا مبينا. فحين انسلخوا من ولاية الرحمن، واستحبوا ولاية الشيطان، حصل لهم النصيب الوافر، من الخذلان، ووكلوا إلى أنفسهم فخسروا أشد الخسران. * (وهم يحسبون أنهم مهتدون) * لأنهم انقلبت عليهم الحقائق، فظنوا الباطل حقا، والحق باطلا. وفي هذه الآيات، دليل على أن الأوامر والنواهي، تابعة للحكمة والمصلحة، حيث ذكر تعالى، أنه لا يتصور أن يأمر بما تستفحشه وتنكره العقول، وأنه لا يأمر إلا
(٢٨٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 281 282 283 284 285 286 287 288 289 290 291 ... » »»