تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٨٨
أحكامه. ثم ذكر فضل من استجاب لهم، وخسار من لم يستجب لهم فقال: * (فمن اتقى) * ما حرم الله، من الشرك، والكبائر، والصغائر. * (وأصلح) * أعماله الظاهرة والباطنة * (فلا خوف عليهم) * من الشر الذي قد يخافه غيرهم * (ولا هم يحزنون) * على ما مضى، وإذا انتفى الخوف والحزن، حصل الأمن التام، والسعادة، والفلاح الأبدي. * (والذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها) * أي: لا آمنت بها قلوبهم، ولا انقادت لها جوارحهم، * (أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) * كما استهانوا بآياته، ولازموا التكذيب بها، أهينوا بالعذاب الدائم الملازم. * (فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا أو كذب بآياته أول ئك ينالهم نصيبهم من الكتاب حتى إذا جآءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين * قال ادخلوا في أمم قد خلت من قبلكم من الجن والإنس في النار كلما دخلت أمة لعنت أختها حتى إذا اداركوا فيها جميعا قالت أخراهم لأولاهم ربنا ه ؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار قال لكل ضعف ول كن لا تعلمون * وقالت أولاهم لأخراهم فما كان لكم علينا من فضل فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون) * أي: لا أحد أظلم * (ممن افترى على الله كذبا) * بنسبة الشريك له، والنقص له، والتقول عليه ما لم يقل، * (أو كذب بآياته) * الواضحة المبينة للحق المبين، الهادية إلى الصراط المستقيم. فهؤلاء، وإن تمتعوا بالدنيا، ونالهم نصيبهم مما كان مكتوبا لهم في اللوح المحفوظ، فليس ذلك بمغن عنهم شيئا، يتمتعون قليلا، ثم يعذبون طويلا. * (حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم) * أي: الملائكة الموكلون بقبض أرواحهم، واستيفاء آجالهم. * (قالوا) * لهم في تلك الحالة توبيخا وعتابا * (أين ما كنتم تدعون من دون الله) * من الأصنام والأوثان، فقد جاء وقت الحاجة، إن كان فيها منفعة لكم، أو دفع مضرة. * (قالوا ضلوا عنا) * أي: اضمحلوا وبطلوا، وليسوا مغنين عنا من عذاب الله من شيء. * (وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين) * مستحقين للعذاب المهين الدائم. فقالت لهم الملائكة: * (ادخلوا في أمم) * أي: في جملة أمم. * (قد خلت من قبلكم من الجن والإنس) * أي: مضوا على ما مضيتم عليه، من الكفر والاستكبار، فاستحق الجميع الخزي والبوار، والخلود * (في النار) *. كلما دخلت أمة من الأمم العاتية النار * (لعنت أختها) * كما قال تعالى: * (ويوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا) *، * (حتى إذا اداركوا فيها جميعا) * أي: اجتمع في النار، جميع أهلها، من الأولين والآخرين، والقادة، والرؤساء، والمقلدين الأتباع. * (قالت أخراهم) * أي: متأخروهم، المتبعون الرؤساء * (لأولاهم) * أي: لرؤسائهم، شاكين إلى الله إضلالهم إياهم: * (ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذابا ضعفا من النار) * أي: عذبهم عذابا مضاعفا لأنهم أضلونا، وزينوا لنا الأعمال الخبيثة. * (قال) * الله * (لكل) * منكم * (ضعف) * ونصيب من العذاب. * (فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون) *، ولكنه من المعلوم، أن عذاب الرؤساء، وأئمة الضلال، أبلغ وأشنع، من عذاب الأتباع، كما أن نعيم أئمة الهدى ورؤسائه أعظم من ثواب الأتباع. * (وقالت أولاهم لأخراهم) * أي: الرؤساء، قالوا لأتباعهم: * (فما كان لكم علينا من فضل) * أي: قد اشتركنا جميعا في الغي والضلال، وفي فعل أسباب العذاب، فأي فضل لكم علينا؟. قال تعالى: * (الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يكسبون) *، فهذه الآيات ونحوها، دلت على أن سائر أنواع المكذبين بآيات الله، مخلدون في العذاب، مشتركون فيه وفي أصله، وإن كانوا متفاوتين في مقداره، بحسب أعمالهم، وعنادهم، وظلمهم، وافترائهم، وأن مودتهم التي كانت بينهم في الدنيا، تنقل يوم القيامة عداوة وملاعنة. * (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين لهم من جهنم مهاد ومن فوقهم غواش وكذلك نجزي الظالمين) * يخبر تعالى، عن عقاب من كذب بآياته، فلم يؤمن بها، مع أنها آيات بينات، واستكبر عنها، فلم ينقد لأحكامها، بل كذب وتولى، أنهم آيسون من كل خير، فلا تفتح أبواب السماء لأرواحهم، إذا ماتوا، وصعدت تريد العروج إلى الله، فتستأذن، فلا يؤذن لها. كما لم تصعد في الدنيا إلى الإيمان بالله، ومعرفته، ومحبته، كذلك لا تصعد بعد الموت، فإن الجزاء من جنس العمل. ومفهوم الآية، أن أرواح المؤمنين المنقادين لأمر الله، المصدقين بآياته، تفتح لها أبواب السماء، حتى تعرج إلى الله، وتصل إلى حيث أراد الله، في العالم العلوي، وتبتهج بالقرب من ربها، والحظوة برضوانه. وقوله عن أهل النار: * (ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل) * وهو البعير المعروف * (في سم الخياط) * أي: حتى يدخل البعير الذي هو من أكبر الحيوانات جسما، في خرق الإبرة، الذي هو من أضيق الأشياء، وهذا من باب تعليق الشيء بالمحال. أي: فكما أنه محال دخول الجمل في سم الخياط، فكذلك المكذبون بآيات الله، محال دخولهم الجنة، قال تعالى: * (إنه من يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة
(٢٨٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 283 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 ... » »»