أنفسهم بأنهم مستحقون للعذاب. * (فأذن مؤذن بينهم) * أي: بين أهل النار وأهل الجنة، بأن قال: * (أن لعنة الله) * أي: بعده وإقصاؤه، عن كل خير * (على الظالمين) * إذ فتح الله لهم أبواب رحمته، فصدوا أنفسهم عنها، ظلما، وصدوا عن سبيل الله بأنفسهم، وصدوا غيرهم، فضلوا وأضلوا. والله تعالى يريد أن تكون مستقيمة، ويعتدل سير السالكين إليه، * (و) * هؤلاء * (يبغونها عوجا) * أي: منحرفة صادة عن سواء السبيل، * (وهم بالآخرة كافرون) *. وهذا الذي أوجب لهم الانحراف عن الصراط، والإقبال على شهوات النفوس المحرمة، عدم إيمانهم بالبعث، وعدم خوفهم من العقاب، ورجائهم للثواب. ومفهوم هذا، أن رحمة الله على المؤمنين، وبره شامل لهم، وإحسانه، متواتر عليهم. * (وبينهما حجاب وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم لم يدخلوها وهم يطمعون * وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين * ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون * أه ؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون) * أي: وبين أصحاب الجنة، وأصحاب النار، حجاب يقال له: * (الأعراف) * لا من الجنة، ولا من النار، يشرف على الدارين، وينظر من عليه، حال الفريقين، وعلى هذا الحجاب، رجال يعرفون كلا من أهل الجنة والنار، بسيماهم، أي: علاماتهم، التي بها يعرفون ويميزون. فإذا نظروا إلى أهل الجنة، نادوهم * (أن سلام عليكم) * أي: يحيونهم، ويسلمون عليهم، وهم إلى الآن لم يدخلوا الجنة، ولكنهم يطمعون في دخولها ولم يجعل الله الطمع في قلوبهم، إلا لما يريد بهم من كرامته. * (وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار) * ورأوا منظرا شنيعا، وهولا فظيعا * (قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين) *. فأهل الجنة إذا رآهم أهل الأعراف يطمعون أن يكونوا معهم في الجنة، ويحيونهم، ويسلمون عليهم، وعند انصراف أبصارهم، بغير اختيارهم، لأهل النار، يستجيرون من حالهم هذا، على وجه العموم. ثم ذكر الخصوص بعد العموم فقال: * (ونادى أصحاب الأعراف رجالا يعرفونهم بسيماهم) * وهم من أهل النار، وقد كانوا في الدنيا لهم أبهة وشرف، وأموال، وأولاد، فقال لهم أصحاب الأعراف، حين رأوهم منفردين في العذاب، بلا ناصر ولا مغيث: * (ما أغنى عنكم جمعكم) * في الدنيا، الذي كنتم تستدفعون به المكاره، وتتوسلون به إلى مطالبكم في الدنيا، فاليوم اضمحل، ولم يغن عنكم شيئا، وكذلك، أي شيء نفعكم استكباركم على الحق، وعلى من جاء به، وعلى من اتبعه. ثم أشاروا لهم، إلى أناس من أهل الجنة، كانوا في الدنيا فقراء ضعفاء يستهزئ بهم أهل النار، فقالوا لأهل النار: * (أهؤلاء) * الذين أدخلهم الله الجنة * (الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة) * احتقارا لهم، وازدراء، وإعجابا بأنفسكم، قد حنثتم في أيمانكم، وبدا لكم من الله، ما لم يكن لكم في حساب. * (ادخلوا الجنة) * بما كنتم تعملون، أي: قيل لهؤلاء الضعفاء، إكراما واحتراما: ادخلوا الجنة بأعمالكم الصالحة. * (لا خوف عليكم) * فيما يستقبل من المكاره * (ولا أنتم تحزنون) * على ما مضى، بل آمنون مطمئنون، فرحون بكل خير. وهذا كقوله تعالى: * (إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون) * إلى أن قال: * (فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون) *، واختلف أهل العلم والمفسرون، من هم أصحاب الأعراف، وما أعمالهم؟ والصحيح من ذلك، أنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم، فلا رجحت سيئاتهم، فدخلوا النار، ولا رجحت حسناتهم، فدخلوا الجنة فصاروا في الأعراف ما شاء الله، ثم إن الله تعالى يدخلهم برحمته الجنة، فإن رحمته تسبق وتغلب غضبه، ورحمته وسعت كل شيء. * (ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أن أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله قالوا إن الله حرمهما على الكافرين * الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقآء يومهم ه ذا وما كانوا بآياتنا يجحدون * ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون * هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعآء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون) * أي: ينادي أصحاب النار أصحاب الجنة، حين يبلغ منهم العذاب كل مبلغ، وحين يمسهم الجوع المفرط، والظمأ الموجع، يستغيثون بهم، فيقولون: * (أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله) * من الطعام، فأجابهم أهل الجنة بقولهم: * (إن الله حرمهما) * أي: ماء الجنة وطعامها * (على الكافرين) *، وذلك جزاء لهم على كفرهم بآيات الله، واتخاذهم دينهم الذي أمروا أن يستقيموا عليه، ووعدوا بالجزاء الجزيل عليه. * (لهوا ولعبا) * أي: لهت قلوبهم، وأعرضت عنه، ولعبوا، واتخذوه سخريا، أو أنهم جعلوا دينهم، اللهو واللعب، واستعاضوا بذلك عن
(٢٩٠)