تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٨٢
وقد تكاثرت الأحاديث الصحيحة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن المراد ببعض آيات الله، طلوع الشمس من مغربها، وأن الناس إذا رأوها، آمنوا، فلم ينفعهم إيمانهم، ويغلق حينئذ، باب التوبة. ولما كان هذا وعيدا للمكذبين بالرسل صلى الله عليه وسلم، منتظرا، وهم ينتظرون بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأتباعه قوارع الدهر ومصائب الأمور قال: * (قل انتظروا إنا منتظرون) * فستعلمون أينا أحق بالأمن. وفي هذه الآية، دليل لمذهب أهل السنة والجماعة، في إثبات الأفعال الاختيارية لله تعالى، كالاستواء، والنزول، والإتيان لله تبارك وتعالى من غير تشبيه له، بصفات المخلوقين. وفي الكتاب والسنة، من هذا، شيء كثير. وفيه أن من جملة أشراط الساعة، طلوع الشمس من مغربها. وأن الله تعالى حكيم، قد جرت عادته وسنته، أن الإيمان إنما ينفع إذا كان اختياريا لا اضطراريا، كما تقدم. وأن الإنسان يكتسب الخير بإيمانه. فالطاعة والبر والتقوى إنما تنفع وتنمو، إذا كان مع العبد إيمان. فإذا خلا القلب من الإيمان لم ينفعه شيء من ذلك. * (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون * من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها وهم لا يظلمون) * يتوعد تعالى، الذين فرقوا دينهم، أي: شتتوه وتفرقوا فيه، وكل أخذ لنفسه نصيبا من الأسماء، التي لا تفيد الإنسان في دينه شيئا، كاليهودية، والنصرانية، والمجوسية. أو لا يكمل بها إيمانه، بأن يأخذ من الشريعة شيئا، ويجعله دينه، ويدع مثله. أو ما هو أولى منه، كما هو حال أهل الفرقة، من أهل البدع والضلال والمفرقين للأمة. ودلت الآية الكريمة أن الدين يأمر بالاجتماع والائتلاف، وينهى عن التفرق والاختلاف في أهل الدين، وفي سائر مسائله الأصولية والفروعية. وأمره أن يتبرأ ممن فرقوا دينهم فقال: * (لست منهم في شيء) * أي: لست منهم، وليسوا منك، لأنهم خالفوك وعاندوك. * (إنما أمرهم إلى الله) * يردون إليه، فيجازيهم بأعمالهم * (ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون) *. ثم ذكر صفة الجزاء فقال: * (من جاء بالحسنة) * القولية والفعلية، الظاهرة، والباطنة، المتعلقة بحق الله، أو حق خلقه. * (فله عشر أمثالها) * هذا أقل ما يكون من التضعيف. * (ومن جاء بالسيئة فلا يجزى إلا مثلها) * وهذا من تمام عدله تعالى وإحسانه، وأنه لا يظلم مثقال ذرة، ولهذا قال: * (وهم لا يظلمون) *. * (قل إنني هداني ربي إلى صراط مستقيم دينا قيما ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين * قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين * قل أغير الله أبغي ربا وهو رب كل شيء ولا تكسب كل نفس إلا عليها ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون * وهو الذي جعلكم خلائف الأرض ورفع بعضكم فوق بعض درجات ليبلوكم في ما آتاكم إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم) * يأمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، أن يقول ويعلن، بما هو عليه من الهداية إلى الصراط المستقيم: الدين المعتدل المتضمن للعقائد النافعة، والأعمال الصالحة، والأمر بكل حسن، والنهي عن كل قبيح، الذي عليه الأنبياء والمرسلون، خصوصا إمام الحنفاء، ووالد من بعث من بعد موته، من الأنبياء، خليل الرحمن إبراهيم عليه الصلاة والسلام، وهو الدين الحنيف، المائل عن كل دين غير مستقيم، من أديان أهل الانحراف، كاليهود، والنصارى، والمشركين. وهذا عموم، ثم خصص من ذلك أشرف العبادات فقال: * (قل إن صلاتي ونسكي) * أي: ذبحي، وذلك لشرف هاتين العبادتين وفضلهما، ودلالتهما على محبة الله تعالى، وإخلاص الدين له، والتقرب إليه بالقلب واللسان، والجوارح، وبالذبح الذي هو بذل ما تحبه النفس، من المال، لما هو أحب إليها، وهو الله تعالى. ومن أخلص في صلاته ونسكه، استلزم ذلك إخلاصه لله في سائر أعماله وأقواله. * (ومحياي ومماتي) * أي: ما آتيه في حياتي، وما يجريه الله علي، وما يقدر علي في مماتي. الجميع * (لله رب العالمين) *. * (لا شريك له) * في العبادة، كما أنه ليس له شريك في الملك والتدبير. ليس هذا الإخلاص لله، ابتداعا مني، وبدعا أتيته من تلقاء نفسي. بل * (وبذلك أمرت) * أمرا حتما، لا أخرج من التبعة، إلا بامتثاله * (وأنا أول المسلمين) * من هذه الأمة. * (قل أغير الله) * من المخلوقين * (أبغي ربا) * أي: يحسن ذلك ويليق بي، أن أتخذ غيره، مربيا ومدبرا والله رب كل شيء، فالخلق كلهم داخلون تحت ربوبيته، منقادون لأمره؟ فتعين علي وعلى غيري، أن يتخذ الله ربا، ويرضى به، ولا يتعلق بأحد من المربوبين الفقراء العاجزين. ثم رغب ورهب بذلك الجزاء فقال: * (ولا تكسب كل نفس) * من خير وشر * (إلا عليها) * كما قال تعالى: * (من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها) *. * (ولا تزر وازرة وزر أخرى) * بل كل عليه وزر نفسه. وإن كان أحد قد تسبب في ضلال غيره ووزره، فإنه عليه وزر التسبب من غير أن ينقص من وزر المباشر شيء. * (ثم إلى ربكم مرجعكم) * يوم
(٢٨٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 277 278 279 280 281 282 283 284 285 286 287 ... » »»