يكونون في سراء وتارة في ضراء، وتارة في فرح، ومرة في ترح، على حسب تقلبات الزمان، وتداول الأيام، وحسبوا أنها ليست للموعظة والتذكير، ولا للاستدراج والنكير. حتى إذا اغتبطوا، وفرحوا بما أوتوا، وكانت الدنيا، أسر ما كانت إليهم. * (فأخذناهم) * بالعذاب * (بغتة وهم لا يشعرون) * أي: لا يخطر لهم الهلاك على بال، وظنوا أنهم قادرون على ما آتاهم الله، وأنهم غير زائلين ولا منتقلين عنه. * (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ول كن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون * أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نآئمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون * أفأمنوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) * لما ذكر تعالى أن المكذبين للرسل، يبتلون بالضراء، موعظة وإنذارا، وبالسراء، استدراجا ومكرا، ذكر أن أهل القرى، لو آمنوا بقلوبهم، إيمانا صادقا، صدقته الأعمال، واستعملوا تقوى الله تعالى، ظاهرا وباطنا، بترك جميع ما حرم الله، لفتح عليهم بركات من السماء والأرض، فأرسل السماء عليهم مدرارا، وأنبت لهم من الأرض، ما به يعيشون، وتعيش بهائمهم، في أخصب عيش، وأغزر رزق، من غير عناء ولا تعب، ولا كد ولا نصب، ولكنهم لم يؤمنوا ويتقوا * (فأخذناهم بما كانوا يكسبون) * بالعقوبات والبلايا، ونزع البركات، وكثرة الآفات، وهي بعض جزاء أعمالهم، وإلا، فلو أخذهم بجميع ما كسبوا، ما ترك على ظهرها من دابة. * (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون) *. * (أفأمن أهل القرى) * أي: المكذبة، بقرينة السياق * (أن يأتيهم بأسنا) * أي: عذابنا الشديد * (بياتا وهم نائمون) * أي: في غفلتهم، وغرتهم، وراحتهم. * (أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى وهم يلعبون) * أي: أي شيء يؤمنهم من ذلك، وهم قد فعلوا أسبابه، وارتكبوا من الجرائم العظيمة، ما يوجب بعضه، الهلاك؟ * (أفأمنوا مكر الله) * حيث يستدرجهم من حيث لا يعلمون، ويملي لهم، إن كيده متين، * (فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون) * فإن من أمن من عذاب الله، فإنه لم يصدق بالجزاء على الأعمال، ولا آمن بالرسل حقيقة الإيمان. وهذه الآية الكريمة، فيها من التخويف البليغ، على أن العبد، لا ينبغي له أن يكون آمنا، على ما معه من الإيمان. بل لا يزال خائفا وجلا، أن يبتلى ببلية، تسلب ما معه من الإيمان، وأن لا يزال داعيا بقوله: (يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك)، وأن يعمل ويسعى، في كل سبب يخلصه من الشر، عند وقوع الفتن، فإن العبد ولو بلغت به الحال ما بلغت فليس على يقين من السلامة. * (أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين) * يقول تعالى منبها للأمم الغابرين بعد هلاك الأمم الغابرين: * (أو لم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم) *، أي أو لم يتبين ويتضح، للأمم الذين ورثوا الأرض، بعد إهلاك من قبلهم بذنوبهم، ثم عملوا كأعمال أولئك المهلكين؟ أو لم يهتدوا أن الله، لو شاء لأصابهم بذنوبهم، فإن هذه سنة في الأولين والآخرين. وقوله: * (ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون) * أي: إذا نبههم الله، فلم ينتبهوا، وذكرهم، فلم يتذكروا، وهداهم بالآيات والعبر، فلم يهتدوا، فإن الله تعالى يعاقبهم، ويطبع على قلوبهم، فيعلوها الران والدنس، حتى يختم عليها، فلا يدخلها حق، ولا يصل إليها خير، ولا يسمعون ما ينفعهم، وإنما يسمعون ما به تقوم الحجة عليهم. * (تلك القرى) * الذين تقدم ذكرهم * (نقص عليك من أنبائها) * ما يحصل به عبرة للمعتبرين، وازدجار للظالمين، وموعظة للمتقين. * (ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات) * أي: جاءت هؤلاء المكذبين رسلهم، تدعوهم إلى ما فيه سعادتهم، وأيدهم الله بالمعجزات الظاهرة، والبينات المبينات للحق، بيانا كاملا، ولكنهم لم يفدهم هذا، ولا أغنى عنهم شيئا. * (فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل) * أي: بسبب تكذيبهم، وردهم الحق أول مرة، ما كان يهديهم
(٢٩٨)