تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٩٢
لا تصلح له، أو ينقطع في السؤال، أو يبالغ في رفع صوته بالدعاء، فكل هذا داخل في الاعتداء المنهي عنه. * (ولا تفسدوا في الأرض) * بعمل المعاصي * (بعد إصلاحها) * بالطاعات، فإن المعاصي، تفسد الأخلاق والأعمال والأرزاق، كما قال تعالى: * (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) * كما أن الطاعات، تصلح بها الأخلاق، والأعمال، والأرزاق، وأحوال الدنيا والآخرة. * (وادعوه خوفا وطمعا) * أي: خوفا من عقابه، وطمعا في ثوابه، طمعا في قبولها، وخوفا من ردها، لا دعاء عبد مدل على ربه، قد أعجبته نفسه، ونزل نفسه فوق منزلته، أو دعاء من هو غافل لاه. وحاصل ما ذكر الله من آداب الدعاء: الإخلاص فيه لله وحده، لأن ذلك يتضمنه الخفية. وإخفاؤه وإسراره، أن يكون القلب خائفا طامعا، لا غافلا، ولا آمنا ولا غير مبال بالإجابة، وهذا من إحسان الدعاء، فإن الإحسان في كل عبادة، بذل الجهد فيها، وأداؤها كاملة لا نقص فيها بوجه من الوجوه، ولهذا قال: * (إن رحمة الله قريب من المحسنين) * في عبادة الله، المحسنين إلى عباد الله، فكلما كان العبد أكثر إحسانا، كان أقرب إلى رحمة ربه، وكان ربه قريبا منه برحمته، وفي هذا من الحث على الإحسان، ما لا يخفى. * (وهو الذي يرسل الرياح بشرى بين يدي رحمته حتى إذا أقلت سحابا ثقالا سقناه لبلد ميت فأنزلنا به الماء فأخرجنا به من كل الثمرات كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون * والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون) * بين تعالى، أثرا من آثار قدرته، ونفحة من نفحات رحمته فقال: * (وهو الذي يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته) * أي: الرياح المبشرات بالغيث، التي تثيره بإذن االله، من الأرض، فيستبشر الخلق برحمة الله، وترتاح لها قلوبهم قبل نزوله. * (حتى إذا أقلت) * الرياح * (سحابا ثقالا) * قد أثاره بعضها، وألفته ريح أخرى، وألقحته ريح أخرى * (سقناه لبلد ميت) * قد كادت تهلك حيواناته، وكاد أهله أن ييأسوا من رحمة الله. * (فأنزلنا به) * أي: ذلك البلد الميت * (الماء) * الغزير من ذلك السحاب وسخر الله له ريحا تدره، وريحا تفرقه بإذن الله. * (فأخرجنا به من كل الثمرات) * فأصبحوا مستبشرين برحمة الله، راتعين بخير الله. وقوله: * (كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون) * أي: كما أحيينا الأرض بعد موتها بالنبات، كذلك نخرج الموتى من قبورهم، بعدما كانوا رفاتا متمزقين، وهذا استدلال واضح، فإنه لا فرق بين الأمرين. فمنكر البعث، استبعادا له مع أنه يرى ما هو نظيره من باب العناد، وإنكار المحسوسات. وفي هذا، الحث على التذكر والتفكر في آلاء الله، والنظر إليها بعين الاعتبار والاستدلال، لا بعين الغفلة والإهمال. ثم ذكر تفاوت الأراضي، التي ينزل عليها المطر فقال: * (والبلد الطيب) * أي: طيب التربة والمادة، إذا نزل عليه مطر * (يخرج نباته) * الذي هو مستعد له * (بإذن ربه) * أي: بإرادة الله ومشيئته، فليست الأسباب مستقلة بوجود الأشياء، حتى يأذن الله بذلك. * (والذي خبث) * من الأراضي * (لا يخرج إلا نكدا) * أي: إلا نباتا خاسا لا نفع فيه ولا بركة. * (كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون) * أي: ننوعها ونبينها ونضرب فيها الأمثال ونسوقها لقوم يشكرون الله بالاعتراف بنعمه، والإقرار بها، وصرفها في مرضاة الله. فهم الذين ينتفعون بما فصل الله في كتابه، من الأحكام، والمطالب الإلهية لأنهم يرونها من أكبر النعم الواصلة إليهم من ربهم، فيتلقونها مفتقرين إليها فرحين بها، فيتدبرونها، ويتأملونها، فيبين لهم من معانيها، بحسب استعدادهم. وهذا مثال للقلوب، حين ينزل عليها الوحي الذي هو مادة الحياة، كما أن الغيث، مادة الحيا، فإن القلوب الطيبة، حين يجيئها الوحي، تقبله وتعلمه، وتنبت بحسب، طيب أصلها، وحسن عنصرها. وأما القلوب الخبيثة، التي لا خير فيها، فإذا جاءها الوحي، لم يجد محلا قابلا، بل يجدها غافلة معرضة، أو معارضة، فيكون كالمطر الذي يمر على السباخ والرمال والصخور، فلا يؤثر فيها شيئا، وهذا كقوله تعالى: * (أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا) * الآيات. * (لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إل ه غيره إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم * قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين * قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون * أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون * فكذبوه فأنجيناه والذين معه في الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنآ إنهم كانوا قوما عمين) * لما ذكر تعالى، من أدلة توحيده، جملة صالحة، أيد ذلك بذكر ما جرى للأنبياء الداعين إلى توحيده، مع أممهم المنكرين لذلك، وكيف أيد الله أهل التوحيد، وأهلك من عاندهم ولم ينقد لهم، وكيف اتفقت دعوة المرسلين على دين واحد،
(٢٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 287 288 289 290 291 292 293 294 295 296 297 ... » »»