تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٧٦
بعض الأنعام، ويعينونها محرما ما في بطنها، على الإناث دون الذكور، فيقولون: * (ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا) * أي: حلال لهم، لا يشاركهم فيها النساء. * (ومحرم على أزواجنا) * أي: نسائنا، هذا إذا ولد حيا. وإن يكن ما في بطنها يولد ميتا، فهم فيه شركاء، أي: فهو حلال للذكور والإناث. * (سيجزيهم) * الله * (وصفهم) * حيث وصفوا ما أحله الله، بأنه حرام، ووصفوا الحرام بالحلال، فناقضوا شرع الله، وخالفوه، ونسبوا ذلك إلى الله. * (إنه حكيم) * حيث أمهل لهم، ومكنهم مما هم فيه من الضلال. * (عليم) * بهم، لا تخفى عليه خافية، وهو تعالى، يعلم بهم وبما قالوه عليه وافتروه، وهو يعافيهم، ويرزقهم، جل جلاله. ثم بين خسرانهم وسفاهة عقولهم فقال: * (قد خسر الذين قتلوا أولادهم سفها بغير علم) * أي: خسروا دينهم وأولادهم، وعقولهم، وصار وصفهم بعد العقول الرزينة السفه المردي، والضلال. * (وحرموا ما رزقهم الله) * أي: ما جعله رحمة لهم، وساقه رزقا لهم. فردوا كرامة ربهم، ولم يكتفوا بذلك، بل وصفوها بأنها حرام، وهي من أحل الحلال. وكل هذا * (افتراء على الله) * أي: كذب يكذب به كل معاند كفار. * (قد ضلوا وما كانوا مهتدين) * أي: قد ضلوا ضلالا بعيدا، ولم يكونوا مهتدين في شيء من أمورهم. * (وهو الذي أنشأ جنات معروشات وغير معروشات والنخل والزرع مختلفا أكله والزيتون والرمان متشابها وغير متشابه كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين) * لما ذكر تعالى تصرف المشركين في كثير مما أحله الله لهم، من الحروث والأنعام، ذكر تبارك وتعالى، نعمته عليهم بذلك، ووظيفتهم اللازمة عليهم، في الحروث والأنعام فقال: * (وهو الذي أنشأ جنات) * أي: بساتين، فيها أنواع الأشجار المتنوعة، والنباتات المختلفة. * (معروشات وغير معروشات) * أي: بعض تلك الجنات، مجعول لها عرش، تنتشر عليه الأشجار، ويعاونها في النهوض عن الأرض. وبعضها خال من العروش، تنبت على ساق، أو تنفرش في الأرض. وفي هذا تنبيه على كثرة منافعها، وخيراتها، وأنه تعالى، علم العباد كيف يعرشونها، وينمونها. * (و) * أنشأ تعالى * (النخل والزرع مختلفا أكله) * أي: كله في محل واحد، ويشرب من ماء واحد، ويفضل الله بعضه على بعض في الأكل. وخص تعالى، النخل، والزرع على اختلاف أنواعه، لكثرة منافعها، ولكونها هي القوت لأكثر الخلق. * (و) * أنشأ تعالى * (الزيتون والرمان متشابها) * في شجره * (وغير متشابه) * في ثمره وطعمه. كأنه قيل: لأي شيء أنشأ الله هذه الجنات، وما عطف عليها؟ فأخبر أنه أنشأها لمنافع العباد، فقال: * (كلوا من ثمره) * أي: النخل والزرع * (إذا أثمر) *. * (وآتوا حقه يوم حصاده) * أي: أعطوا حق الزرع، وهو الزكاة ذات الأنصباء المقدرة في الشرع. أمرهم أن يعطوها يوم حصادها، وذلك لأن حصاد الزرع، بمنزلة حولان الحول. لأنه الوقت، الذي تتشوف إليه نفوس الفقراء، ويسهل حينئذ إخراجه على أهل الزرع، ويكون الأمر فيها ظاهرا، لمن أخرجها، حتى يتميز المخرج ممن لا يخرج. وقوله: * (ولا تسرفوا) * يعم النهي عن الإسراف في الأكل، وهو: مجاوزة الحد والعادة، وأن يأكل صاحب الزرع أكلا يضر بالزكاة، والإسراف في إخراج حق الزرع، بحيث يخرج فوق الواجب عليه، أو يضر نفسه أو عائلته أو غرماءه. فكل هذا، من الإسراف الذي نهى الله عنه، الذي لا يحبه الله، بل يبغضه ويمقت عليه. وفي هذه الآية، دليل على وجوب الزكاة في الثمار، وأنه لا حول لها، بل حولها، حصادها في الزروع، وجذاذ النخيل. وأنه لا تتكرر فيها الزكاة، لو مكثت عند العبد أحوالا كثيرة، إذا كانت لغير التجارة، لأن الله لم يأمر بالإخراج منه، إلا وقت حصاده. وأنه لو أصابها آفة قبل ذلك بغير تفريط من صاحب الزرع والثمر، أنه لا يضمنها، وأنه يجوز الأكل من النخل والزرع، قبل إخراج الزكاة منه، وأنه لا يحسب ذلك من الزكاة، بل يزكى المال الذي يبقى بعده. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم، يبعث خارصا، يخرص للناس ثمارهم، ويأمره أن يدع لأهلها الثلث، أو الربع، بحسب ما يعتريها من الأكل وغيره، من أهلها، وغيرهم. * (ومن الأنعام حمولة وفرشا كلوا مما رزقكم الله ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين * ثمانية أزواج من الضأن اثنين ومن المعز اثنين قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين نبئوني بعلم إن كنتم صادقين * ومن الإبل اثنين ومن البقر اثنين قل ءآلذكرين حرم أم الأنثيين أما اشتملت عليه أرحام الأنثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم الله به ذا فمن أظلم ممن افترى على الله كذبا ليضل الناس بغير علم إن الله لا يهدي القوم
(٢٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 271 272 273 274 275 276 277 278 279 280 281 ... » »»