تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٨٩
ومأواه النار) *، وقال هنا: * (وكذلك نجزي المجرمين) * أي: الذين كثر إحرامهم واشتد طغيانهم. * (لهم من جهنم مهاد) * أي: فراش من تحتهم * (ومن فوقهم غواش) * أي: ظلل من العذاب، تغشاهم. * (كذلك نجزي الظالمين) * لأنفسهم، جزاء وفاقا، وما ربك بظلام للعبيد. * (والذين آمنوا وعملوا الصالحات لا نكلف نفسا إلا وسعها أول ئك أصحاب الجنة هم فيها خالدون * ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار وقالوا الحمد لله الذي هدانا له ذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله لقد جاءت رسل ربنا بالحق ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون) * لما ذكر الله تعالى عقاب العاصين الظالمين، ذكر ثواب المطيعين فقال: * (والذين آمنوا) * بقلوبهم * (وعملوا الصالحات) * بجوارحهم، فجمعوا بين الإيمان والعمل، بين الأعمال الظاهرة والأعمال الباطنة، بين فعل الواجبات وترك المحرمات، ولما كان قوله: * (وعملوا الصالحات) * لفظا عاما يشمل جميع الصالحات، الواجبة والمستحبة، وقد يكون بعضها غير مقدور للعبد، قال تعالى: * (لا تكلف نفسا إلا وسعها) * أي: بمقدار ما تسعه طاقتها، ولا يعسر على قدرتها، فعليها في هذه الحال، أن تتقي الله، بحسب استطاعتها، وإذا عجزت عن بعض الواجبات، التي يقدر عليها غيرها، سقطت عنها، كما قال تعالى: * (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) * () * (لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها) * * (ما جعل عليكم في الدين من حرج) * * (فاتقوا الله ما استطعتم) *، فلا واجب مع العجز، ولا محرم مع الضرورة. * (أولئك) * أي: المتصفون بالإيمان والعمل الصالح، * (أصحاب الجنة هم فيها خالدون) * أي: لا يحولون عنها، ولا يبغون بها بدلا، لأنهم يرون فيها من أنواع اللذات، وأصناف المشتهيات، ما تقف عنده الغايات، ولا يطلب أعلى منه. * (ونزعنا ما في صدورهم من غل) * وهذا من كرمه وإحسانه، على أهل الجنة، أن الغل الذي كان موجودا في قلوبهم، والتنافس الذي كان بينهم، أن الله يقلعه ويزيله، حتى يكونوا إخوانا متحابين، وأخلاء متصافين. قال تعالى: * (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين) * ويخلق الله لهم من الكرامة، ما به يحصل لكل واحد منهم، الغبطة والسرور ويرى أنه لا فوق ما هو فيه من النعيم، نعيم، فبهذا يأمنون من التحاسد والتباغض، لأنه فقدت أسبابه. قوله: * (تجري من تحتهم الأنهار) * أي يفجرونها تفجيرا، حيث شاؤوا، وأين أرادوا، إن شاءوا في خلال القصور، أو في تلك الغرف العاليات، أو في رياض الجنات، من تحت تلك الحدائق الزاهرات، أنهار تجري في غير أخدود، وخيرات، ليس لها حد محدود. * (و) * لهذا لما رأوا ما أنعم الله عليهم وأكرمهم به * (قالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا) * بأن من علينا، وأوحى إلى قلوبنا، فآمنت به، وانقادت للأعمال الموصلة إلى هذه الدار، وحفظ الله علينا إيماننا وأعمالنا، حتى أوصلنا بها إلى هذه الدار، فنعم الرب الكريم، الذي ابتدأنا بالنعم، وأسدى من النعم الظاهرة والباطنة، ما لا يحصيه المحصون، ولا يعده العادون. * (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله) * أي: ليس في نفوسنا قابلية للهدى، لولا أنه تعالى من علينا بهدايته واتباع رسله. * (لقد جاءت رسل ربنا بالحق) * أي: حين كانوا يتمتعون بالنعيم، الذي أخبرت به الرسل، وصار حق يقين لهم، بعد أن كان علم يقين لهم، قالوا لقد تحققنا، ورأينا ما وعدتنا به الرسل، وأن جميع ما جاؤوا به حق اليقين، لا مرية فيه ولا إشكال، * (ونودوا) * تهنئة لهم، وإكراما، وتحية، واحتراما. * (أن تلكم الجنة أورثتموها) * أي كنتم الوارثين لها، وصارت إقطاعا لكم، إذ كان إقطاع الكفار النار، أورثتموها * (بما كنتم تعملون) *. قال بعض السلف: أهل الجنة نجوا من النار بعفو الله، وأدخلوا الجنة برحمة الله، واقتسموا المنازل، وورثوها، بالأعمال الصالحة، وهي من رحمته، بل من أعلى أنواع رحمته. * (ونادى أصحاب الجنة أصحاب النار أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم فأذن مؤذن بينهم أن لعنة الله على الظالمين * الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة كافرون) * يقول تعالى بعدما ذكر استقرار كل من الفريقين في الدارين، ووجدا ما أخبرت به الرسل، ونطقت به الكتب، من الثواب والعقاب، أن أهل الجنة نادوا أصحاب النار بأن قالوا: * (أن قد وجدنا ما وعدنا ربنا حقا) * حين وعدنا على الإيمان والعمل الصالح، الجنة، فأدخلناها، ورأينا ما وصفه لنا * (فهل وجدتم ما وعدكم ربكم) * على الكفر والمعاصي * (حقا) * () * (قالوا: نعم) * قد وجدناه حقا، فبين للخلق كلهم، بيانا لا شك فيه، صدق وعد الله، ومن أصدق من الله قيلا، وذهبت عنهم الشكوك والشبه، وصار الأمر حق اليقين، وفرح المؤمنون بوعد الله، واغتبطوا، وأيس الكفار من الخير، وأقروا على
(٢٨٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 284 285 286 287 288 289 290 291 292 293 294 ... » »»