يدعى إليها؟ * (قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها) * أي: اشهدوا علينا، أننا إن عدنا إليها بعدما نجانا الله منها، وأنقذنا من شرها، أننا كاذبون مفترون على الله الكذب، فإننا نعلم أنه لا أعظم افتراء، ممن جعل لله شريكا، وهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا، ولا شريكا في الملك. * (وما يكون لنا أن نعود فيها) * أي: يمتنع على مثلنا أن نعود فيها فإن هذا من المحال، فآيسهم عليه الصلاة والسلام، من كونه يوافقهم، من وجوه متعددة، من جهة أنهم كارهون لها، مبغضون لما هم عليه من الشرك. ومن جهة أنه جعل ما هم عليه كذبا، وأشهدهم أنه إن اتبعهم ومن معه، فإنهم كاذبون. ومنها: اعترافهم بمنة الله عليهم إذ أنقذهم الله منها. ومنها: أن عودتهم فيها بعدما هداهم الله من المحالات، بالنظر إلى حالتهم الراهنة، وما في قلوبهم من تعظيم الله تعالى، والاعتراف له بالعبودية، وأنه الإله وحده، الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده، لا شريك له، وأن آلهة المشركين، أبطل الباطل، وأمحل المحال. وحيث أن الله من عليهم، بعقول يعرفون بها الحق والباطل، والهدى والضلال. وأما من حيث النظر إلى مشيئة الله، وإرادته النافذة في خلقه، التي لا خروج لأحد عنها، ولو تواترت الأسباب، وتوافقت القوى، فإنهم لا يحكمون على أنفسهم أنهم سيفعلون شيئا أو يتركونه، ولهذا استثنى * (وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا) * أي: فلا يمكننا ولا غيرنا، الخروج عن مشيئته، التابعة لعلمه وحكمته. وقد * (وسع ربنا كل شيء علما) * فيعلم ما يصلح للعباد وما يدبرهم عليه. * (على الله توكلنا) * أي: اعتمدنا أنه سيثبتنا على الصراط المستقيم، وأن يعصمنا من جميع طرق الجحيم، فإن من توكل على الله، كفاه، ويسر له أمر دينه ودنياه. * (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق) * أي: انصر المظلوم، وصاحب الحق، على الظالم المعاند للحق * (وأنت خير الفاتحين) * وفتحه تعالى لعباده، نوعان: فتح العلم، بتبيين الحق من الباطل، والهدى من الضلال، ومن هو المستقيم على الصراط، ممن هو منحرف عنه. والنوع الثاني: فتحه بالجزاء وإيقاع العقوبة على الظالمين، والنجاة والإكرام للصالحين. فاسألوا الله أن يفتح بينهم وبين قومهم، بالحق والعدل، وأن يريهم من آياته وعبره، ما يكون فاصلا بين الفريقين. * (وقال الملأ الذين كفروا من قومه) * محذرين من اتباع شعيب، * (لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون) * هذا ما سولت لهم أنفسهم أن الخسارة والشقاء، في اتباع الرشد والهدى، ولم يدروا أن الخسارة كل الخسارة، في لزوم ما هم عليه من الضلال والإضلال، وقد علموا ذلك حين وقع بهم النكال. * (فأخذتهم الرجفة) * أي: الزلزلة الشديدة * (فأصبحوا في دارهم جاثمين) * أي: صرعى ميتين، هامدين. قال تعالى ناعيا حالهم: * (الذين كذبوا شعيبا كأن لم يغنوا فيها) * أي: كأنهم ما أقاموا في ديارهم، وكأنهم ما تمتعوا في عرصاتها، ولا تفيئوا في ظلالها، ولا غنوا في مسارح أنهارها، ولا أكلوا من ثمار أشجارها، فأخذهم العذاب، فنقلهم من مورد اللهو واللعب واللذات، إلى مستقر الحزن والشقاء، والعقاب، والدركات، ولهذا قال: * (الذين كذبوا شعيبا كانوا هم الخاسرين) * أي: الخسار محصور فيهم لأنهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة، وذلك هو الخسران المبين، لا من قالوا لهم: * (لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون) *. فحين هلكوا، تولى عنهم نبيهم، عليه الصلاة والسلام * (وقال) * معاتبا وموبخا ومخاطبا لهم بعد موتهم: * (يا قوم لقد أبلغتكم رسالات ربي) * أي: أوصلتها إليكم، وبينتها حتى بلغت منكم، أقصى ما يمكن أن تصل إليه، وخالطت أفئدتكم * (ونصحت لكم) * فلم تقبلوا نصحي ولا انقدتم لإرشادي، بل فسقتم وطغيتم. * (فكيف آسى على قوم كافرين) * أي: فكيف أحزن على قوم، لا خير فيهم، أتاهم الخير فردوه، ولم يقبلوه، ولا يليق بهم إلا الشر، فهؤلاء غير حقيقين أن يحزن عليهم، بل يفرح بإهلاكهم ومحقهم، فعياذا بك اللهم من الخزي والفضيحة، وأي شقاء وعقوبة أبلغ من أن يصلوا إلى حالة يتبرأ منهم أنصح الخلق لهم؟. * (وما أرسلنا في قرية من نبي إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون) * يقول تعالى: * (وما أرسلنا في قرية من نبي) * يدعوهم إلى عبادة الله، وينهاهم عن ما هم فيه من الشر، فلم ينقادوا له: * (إلا أخذنا أهلها) * أي: ابتلاهم الله * (بالبأساء والضراء) * أي: بالفقر، والمرض، وأنواع البلايا. * (لعلهم) * إذا أصابتهم، خضعت نفوسهم فهم * (يضرعون) * إلى الله، ويستكينون للحق. * (ثم) * إذا لم يفد فيهم، واستمر استكبارهم، وازداد طغيانهم. * (بدلنا مكان السيئة الحسنة) * فأدر عليهم الأرزاق، وعافى أبدانهم، ورفع عنهم البلايا. * (حتى عفوا) * أي: كثروا، وكثرت أرزاقهم وانبسطوا في نعمة الله وفضله، ونسوا ما مر عليهم من البلايا. * (وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء) * أي: هذه عادة جارية، لم تزل موجودة في الأولين واللاحقين، تارة
(٢٩٧)