تيسير الكريم الرحمن في كلام المنان - عبد الرحمن بن ناصر السعدي - الصفحة ٢٨٠
أي: لا تقربوا الظاهر منها، والخفي، أو المتعلق منها بالظاهر، والمتعلق بالقلب والباطن. والنهي عن قربان الفواحش، أبلغ من النهي عن مجرد فعلها، فإنه يتناول النهي عن مقدماتها، ووسائلها الموصلة إليها. * (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله) * وهي: النفس المسلمة، من ذكر، وأنثى، صغير، وكبير، بر، وفاجر، والكافرة التي قد عصمت، بالعهد والميثاق. * (إلا بالحق) * كالزاني المحصن، والنفس بالنفس، والتارك لدينه، المفارق للجماعة. * (ذلكم) * المذكور * (وصاكم به لعلكم تعقلون) * عن الله وصيته، ثم تحفظونها، ثم تراعونها، وتقومون بها. ودلت الآية، على أنه بحسب عقل العبد، يكون قيامه بما أمر الله به. * (ولا تقربوا مال اليتيم) * بأكل، أو معاوضة على وجه المحاباة لأنفسكم، أو أخذ من غير سبب. * (إلا بالتي هي أحسن) * أي: إلا بالحال التي تصلح بها أموالهم، وينتفعون بها. فدل هذا، على أنه لا يجوز قربانها، والتصرف بها، على وجه يضر اليتامى، أو على وجه لا مضرة فيه ولا مصلحة. * (حتى يبلغ) * اليتيم * (أشده) * أي: حتى يبلغ ويرشد، ويعرف التصرف. فإذا بلغ أشده، أعطي، حينئذ، ماله، وتصرف فيه على نظره. وفي هذا دلالة على أن اليتيم قبل بلوغ الأشد محجور عليه، وأن وليه يتصرف في ماله بالأحظ، وأن هذا الحجر، ينتهي ببلوغ الأشد. * (وأوفوا الكيل والميزان بالقسط) * أي: بالعدل، والوفاء التام. فإذا اجتهدتم في ذلك، فإننا * (لا نكلف نفسا إلا وسعها) * أي: بقدر ما تسعه، ولا تضيق عنه. فمن حرص على الإيفاء، في الكيل، والوزن، ثم حصل منه تقصير، لم يفرط فيه، ولم يعلمه، فإن الله غفور رحيم. وبهذه الآية استدل الأصوليون، بأن الله لا يكلف أحدا، ما لا يطيق، وعلى أن من اتقى الله، فيما أمر، وفعل ما يمكنه من ذلك، فلا حرج عليه فيما سوى ذلك. * (وإذا قلتم) * قولا تحكمون به بين الناس، وتفصلون بينهم الخطاب، وتتكلمون به على المقالات والأحوال * (فاعدلوا) * في قولكم، بمراعاة الصدق فيمن تحبون، ومن تكرهون والإنصاف، وعدم كتمان ما يلزم بيانه. فإن الميل، على من تكره بالكلام فيه، أو في مقالته، من الظلم المحرم. بل إذا تكلم العالم على مقالات أهل البدع، فالواجب عليه، أن يعطي كل ذي حق حقه، وأن يبين ما فيها، من الحق والباطل، ويعتبر قربها من الحق، وبعدها منه. وذكر الفقهاء أن القاضي يجب عليه العدل بين الخصمين، في لحظه، ولفظه. * (وبعهد الله أوفوا) * وهذا يشمل العهد الذي عاهده عليه العباد، من القيام بحقوقه، والوفاء بها، ومن العهد الذي يقع التعاهد به بين الخلق. فالجميع، يجب الوفاء به، ويحرم نقضه، والإخلال به. * (ذلكم) * الأحكام المذكورة * (وصاكم به لعلكم تذكرون) * ما بينه لكم من الأحكام، وتقومون بوصية الله لكم، حق القيام، وتعرفون ما فيها، من الحكم والأحكام. ولما بين كثيرا من الأوامر الكبار، والشرائع المهمة، أشار إليها، وإلى ما هو أعم منها فقال: * (وأن هذا صراطي مستقيما) * أي: هذه الأحكام وما أشبهها، مما بينه الله في كتابه، ووضحه لعباده، صراط الله الموصل إليه، وإلى دار كرامته، المعتدل السهل المختصر. * (فاتبعوه) * لتنالوا الفوز والفلاح، وتدركوا الآمال والأفراح. * (ولا تتبعوا السبل) * أي: الطرق المخالفة لهذا الطريق. * (فتفرق بكم عن سبيله) * أي: تضلكم عنه وتفرقكم، يمينا وشمالا. فإذا ضللتم عن الصراط المستقيم، فليس ثم إلا طرق توصل إلى الجحيم. * (ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون) *، فإنكم إذا قمتم بما بينه الله لكم، علما وعملا، صرتم من المتقين، وعباد الله المفلحين. ووحد الصراط، وأضافه إليه، لأنه سبيل واحد موصل إليه. والله هو المعين للسالكين، على سلوكه. * (ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة لعلهم بلقآء ربهم يؤمنون * وه ذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون * أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طآئفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنآ أنزل علينا الكتاب لكنآ أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون * هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربك أو يأتي بعض آيات ربك يوم يأتي بعض آيات ربك لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا قل انتظروا إنا منتظرون) * * (ثم) * في هذا الموضع، ليس المراد منها الترتيب الزماني، فإن زمن موسى عليه السلام، متقدم على تلاوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب، وإنما المراد، الترتيب الإخباري. فأخبر أنه آتى * (موسى الكتاب) * وهو: التوراة * (تماما) * لنعمته، وكمالا لإحسانه. * (على الذي أحسن) *
(٢٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 275 276 277 278 279 280 281 282 283 284 285 ... » »»